اسم الله الرزاق (1)

اسم الله الرزاق

قاعدة في إثبات الأسماء الحسنى

إثبات اسم الله الرزاق ومعناه

الفرق بين الرازق والرزاق

معنى الرزق  وأنواعه

مقتضيات الإيمان باسم الله الرزاق

إن السعي في طلب الرزق همُّ الكثير من الناس، فالصغير ينشده والكبير يطلبه، وأكثر هموم الحياة وأحاديثها وأحداثها تدور في فلكه، والمؤمن الحاذق من يُفوّض أمرَ الرزق إلى الرازق ،

ونحن في أمس الحاجة في هذه الأزمان إلى معرفة الله تبارك وتعالى باسمه الرزَّاق، حتى تتعلق  القلوب بالله وحده وتلهج الألسنة بدعائه، وتُرفع وتُمدُّ إليه الأيدي لا إلى غيره، فهو سبحانه  الذي يرزق العباد  ويقسم الأرزاق ويجزل العطايا ويمن بفضله على من يشاءُ من عباده، ولا تزيده كثرة الحاجات إلا جوداً وكرماً، ولا يتبرم بإلحاح الملحين، ولا يغلقُ بابه دون السائلين، لو اجتمع أول خلقه وآخرهم وإنسهم وجنهم وقاموا في صعيد واحد ثم سأَلوه فأعطى كلا منهم مسأَلته ما نقص ذلك مما عنده ذرة واحدة إلا كما ينقص المخيطُ البحرَ إذا غُمس فيه، يمينه ملأى لا تغيضها نفقة، سحاءَ الليل والنهار ؛ أرأيتم ما أنفق منذ خلق الخلق فإنه لم يغض ما في يمينه ؛ عطاؤه كلام ومنعه كلام: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرادَ شَيئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس:82].(1)

قاعدة مهمة  في إثبات الأسماء والصفات لله تعالى

عند إثبات أي اسم أو صفة لله تعالى لابد من أمور منها :

- لا نثبت لله اسما ولا صفة إلا ما وردَ في القرآن والسنة الصحيحة

-  نُثْبِتُ إثباتا بلا تكييف ولا تمثيل، ونُنزِّهُ تنزيها بلا تحريف ولا تعطيل، كما قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]

- بعد إثبات الاسم، يجب علينا أن نؤمن بالاسم، ونؤمن بما تضمنه من الصفة، ونؤمن بما تدل عليه هذه الصفة من الأثر والحكم؛ إن كان الاسم متعديا.

فمثلا: الرزاق  نؤمن بأنه من أسماء الله تعالى، وأنه دال على صفة الرزق، وأن لهذه الصفة حكما وأثرا وهو أنه يرزق.(2)

المحور الأول : إثبات اسم الرزاق لله  تعالى

من أسمائه سبحانه (الرزّاق) وهذا الاسم ثبت بكتاب الله كما في قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [الذاريات: 58]

وثبت بالسنة أيضا، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  -رضي الله عنه-، قَالَ: غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَلَا السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ، الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّزَّاقُ).(3)

ووقع عند أبي داود وفي لفظ لأحمد (الرَّازِق).

- معنى اسم الله  (الرزاق)

 (الرزّاق) مبالغة من رازق للدلالة على الكثرة، فمعنى الرزاق الكثير الرزق لعباده الذي لا تنقطع عنهم أمداده وفواضله طرفة عين، ولا يُسمى غيره رازقا، كما لا يسمى غيره خالقا، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم: 40]  فالأرزاق كلها بيد اللّه وحده، فهو خالق الأرزاق والمرتزقة وموصلها إليهم وخالق أسباب التمتع بها، فالواجب نسبتها إليه وحده وشكره عليها فهو موليها وواهبها.(4)

قال ابن جرير: الرزاق هو المتكفل بأقوات المخلوقات.(5)

قال أبو سليمان الخطابي : الرزاق هو المتكفل بالرزق والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها ؛ فليس يختص بذلك مؤمنًا دون كافر ولا ولياً دون عدو.

وقال الحليمي : هو الرزاق رزقا بعد رزق، المفيض على عباده ما لم يجعل لأبدانهم قِوَاما إلا به، والمنعم عليهم بإيصال حاجتهم مِن ذلك إليهم لئلا يُنَغِّص عليهم لذَّةَ الحياة بِتَأَخُّرِه عنهم.(6)

قال ابن الأثير: هو الذي خلق الأرزاق وأعطى الخلائق أرزاقها وأوصلها إليهم.(7)

الفرق بين الرازق والرزاق

الرازقُ فيه معنى الرزق المطلق، فهو يفيد ثبوت صفة الرزق لله عز وجل أما الرزاق فتفيد التكثير، أنه يرزق رزقا بعد رزق.(8)

من الأخطاء

من الأخطاء قول بعضهم : ((الرَّزاء))، وهو يقصد بذلك اسم الله ((الرزَّاق))، تبارك وتعالى، وهذا خطأ عظيم، إذ أن معنى ((الرزاء)) أي : الذي يأتي بالمصائب والبلايا، بخلاف الرزاق الذي يأتي بالرزق والخير.(9)

- صفة الرزق من الصفات الثابتة لله تعالى

وأدلتها كثيرة جدا منها، قَول اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:{وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [البقرة: 212] وَقَالَ تَعَالَى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت: 60]

قال الشيخ هراس : الرزق كالخلق صفة من صفات الفعل، وهو شأن من شئون ربوبيته عز وجل، لا يصح أن ينسب إلى غيره، فالأرزاق كلها بيد اللّه وحده، فهو خالق الأرزاق والمرتزقة وموصلها إليهم وخالق أسباب التمتع بها، فالواجب نسبتها إليه وحده وشكره عليها فهو موليها وواهبها.(10)

معنى الرزق

 الرزق في اللغة: - بكسر الراء - : ما ينتفع به ؛ وبفتحها : العطاء أو العطاء الجاري.

فالرِّزق: بالكسر مأخوذ من رَزَقَ، وهو: ما يُنتفع به، والجمع أرزاق.(11)

 هل يدخل الحرام تحت معنى الرزق ؟

الرزق قد يكون من الحلال الذي لا تبعة على العبد فيه، وقد يكون من الحرام، ولكنه يسمى رزقا بهذا الاعتبار الذي هو سوقه للأعضاء وهدايتها لامتصاصه والانتفاع به، فيصح أن يقال: رزقه اللّه بهذا الاعتبار سواء ارتزق من حلال أم من حرام. وهذا يقال له مطلق الرزق.(12)

قال الخطابي : وكل ما وصل منه إليه من مباح وغير مباح فهو رزق الله، على معنى أنه قد جعله له قوتا ومعاشا، إلا أن الشيء إذا كان مأذونا له في تناوله فهو حلال حكما، وما كان منه غير مأذون له فيه فهو حرام حكما وجميع ذلك رزق.(13)

- أنواع الرزق

رِزقُ الله تعالى لعباده نوعان: رزق عام ورزق خاص،

قال ابن القيم :

وكذلك الرزاقُ مِنْ أسمائه ... والرزقُ مِن أفعاله نوعانِ

رزقٌ على يدِ عبدِه ورسولِه ... نوعان أيضا ذانِ معروفانِ

رزقُ القلوب العلم والإيمان ... والرزق المُعَدُّ لهذه الأبدانِ

هذا هو الرزقُ الحلال وربُّنا ... رزَّاقُه والفضل للمنان

والثانِ سَوقُ القوتِ للأعضاء في ... تلك المجاري سَوْقه بوِزان

هذا يكون مِن الحلال كما يكو ... ن من الحرام كلاهما رِزقانِ

والله رازقُه بهذا الاعتبا ... ر وليس بالإطلاق دون بيان(14)

- النوع الأول :  الرزق العام

 وهو إيصال الباري لجميع خلقه، كلَّ ما يحتاجون إليه في معاشهم وقيامهم فيسهل لهم سبيل الأرزاق ويدبرها في أجسامهم ويسوق إلى كل عضو صغير وكبير ما يحتاجه من القوت، فهذا عام للبر أو الفاجر، والمسلم والكافر بل للإنس والجن، والحيوانات كلها.

و هذا الرزق قد يكون من الحلال الذي لا تبعة على العبد فيه، وقد يكون من الحرام، ولكنه يسمى رزقا بهذا الاعتبار الذي هو سوقه للأعضاء وهدايتها لامتصاصه والانتفاع به.

- وأما النوع الثاني: فهو الرزق الخاص، وهو الرزق النافع الذي لا تبعة فيه، وهو موصل للعبد إلى أعلى الغايات، المستمر نفعه في الدنيا والآخرة وهو الذي يحصل على يد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو نوعان:

1 - أحدهما رزق القلوب بالعلم النافع والإيمان الصحيح وحقائق ذلك، فإن القلوب مفتقرةٌ غايةَ الافتقار إلى أن تكون عالمةً بالحق مريدة له متألهة للّه، ثم التخلق بالأخلاق الجميلة، والتنزه عن الأخلاق الرذيلة، وبذلك يحصل غناها ويزول فقرها.

2 - والثاني رِزقُ الأبدان بالرزق الحلال الذي لا تبعة فيه، وهو أن يغني الله عبدَه بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه، فإن الرزق الذي خص به المؤمنين والذين يسألونه منه شامل للأمرين.(15)

- النوع الثالث :رزق الآخرة وهو أعظم الرزق

أعظم رزق يرزقه الله عباده، وأحسنه وأكمله، وأفضله وأكرمه، وأعلاه وأدومه، الذي لا ينقطع ولا يزول، هو الجنة، وذلك الرزق خاص بالمؤمنين كما قال سبحانه: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} [الطلاق: 11].

وقال تعالى : { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: 169، 170]

وقال تعالى : { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الحج: 58]

- المحور الثاني :  مقتضيات الإيمان باسم الله الرزاق

إذا أقرّ العبد وأيقن أن الله تعالى هو الرزاق استوجب ذلك أشياء مهمة تدل على صدق إيمانه بأن الله تعالى هو الرزاق منها :

أولا : أن يعتقد العبد أن الرزق بيد الله وحده لا شريك له

وهذا هو الحدّ الفاصل بين المؤمن الحق وبين من يدعي الإيمان، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } [فاطر: 3]

قال ابن كثير : ينبه تعالى عباده ويرشدهم إلى الاستدلال على توحيده في إفراد العبادة له، كما أنه المستقل بالخلق والرزق فكذلك فليفرد بالعبادة.(16)

وقد أنكر الله على المشركين عبادتهم للأوثان والأصنام مع أنها لا تملك لهم رزقاً ولا تملك لهم ضراً ولا نفعاً. قال سبحانه {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ } [النحل: 73]

قال السعدي : يخبر تعالى عن جهل المشركين وظلمهم أنهم يعبدون من دونه آلهة اتخذوها شركاء لله، والحال أنهم لا يملكون لهم رزقا من السماوات والأرض، فلا ينزلون مطرا، ولا رزقا ولا ينبتون من نبات الأرض شيئا، ولا يملكون مثقال ذرة في السماوات والأرض ولا يستطيعون لو أرادوا، فإن غير المالك للشيء ربما كان له قوة واقتدار على ما ينفع من يتصل به، وهؤلاء لا يملكون ولا يقدرون.(17)

وقال تعالى : { أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} [الملك: 21]

قال الطبري : يقول تعالى ذكره: أم من هذا الذي يطعمكم ويسقيكم، ويأتي بأقواتكم إن أمسك بكم رزقه الذي يرزقه عنكم.(18)

فلا مانع لما أعطى الله ولا مُعطي لما منع، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، قَالَ: (اللهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ).(19)

وما حُرِمه العبدُ من رزق فلا سبيل لتحصيله، ولا طريق للوصول إليه.. فهو له غير مكتوب، وفي لوحه غير محفوظ، فقد كَانَ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ).(20)

قال النووي : الجد بالفتح هو الحظ والغنى والعظمة والسلطان، أي لا ينفع ذا الحظ في الدنيا بالمال والولد والعظمة والسلطان منك حظه، أي لا ينجيه حظه منك وإنما ينفعه وينجيه العمل الصالح كقوله تعالى {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ }.(21)

ثانيا : أن يعتقد العبد ويوقن أن رزق الله لا حدود له ولا انقطاع له

فالله تبارك وتعالى هو الرزاق، الذي وسع الخلق كلهم برزقه ورحمته، فلم يخص بذلك مؤمناً دون كافر، ولا ولياً دون عدو، بل يسوق رزقه عزَّ وجلَّ إلى الضعيف الذي لا حيلة له، كما يسوقه إلى الجلد القوي ذي المرة السوي: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20].

وهو الرزاق سبحانه وتعالى الذي لا تنفد خزائنه ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ).(22)

بل لو سأله العباد  جميعاً فأعطاهم لم ينقص ذلك من ملكه شيئاً، كما جاء في قوله تعالى في الحديث القدسي (يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ).(23)

فخزائن الله عزَّ وجلَّ مملوءة بكل شيء، ويعطي منها جميع الخلائق، فتعالى الله عما افتراه اليهود،

قال تعالى عنهم : {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران: 181]

تعالى اللهُ وتقدس عن وصف اليهود حين وصفوه بالبخل والإمساك عن الإنفاق :{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64]

ثالثا : الأرزاق محتومة معلومة،  فالرزق يطلبُ العبدَ كما يطلبه الأجل

عن عَبْد اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قال : حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ، وَأَجَلُهُ، وَرِزْقُهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ).(24)

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (إِنَّ الرِّزْقَ لَيَطْلُبُ الْعَبْدَ كَمَا يَطْلُبُهُ أَجَلُهُ).(25)

وعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنه-، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَرَأَى تَمْرَةً عَائِرَةً، فَأَعْطَاهَا سَائِلًا وَقَالَ: (لَوْ لَمْ تَأْتِهَا لَأَتَتْكَ).(26)

وعَنْ جَابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : (لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَهْرُبُ مِنَ الْمَوْتِ لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ).(27)

فالرزق مقسوم لكل أحد من بر وفاجر، ومؤمن وكافر، كما قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا}[هود: 6]

 هذا مع ضعف كثير من الدواب وعجزها عن السعي في طلب الرزق، قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت:6]

قال ابن كثير : أي: الله يقيض لها رزقها على ضعفها، ويُيَسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه، حتى الذر في قرار الأرض، والطير في الهواء والحيتان في الماء.(28)

فما دام العبد حيا، فرزقه على الله، وقد ييسره الله له بكسب وبغير كسب، فلا تكونوا بالمضمون مهتمين، فتكونوا للضامن متهمين، وبرزقه غير راضين.(29)

رابعا : ومن مقتضيات الإيمان باسم الله الرزاق : الرضا بما قسمه الله لعبده من الرزق

فالله حكيم عليم، وأرزاق العباد كلهم بيده، يجعل من يشاء غنياً، ويجعل من يشاء فقيراً، وله في ذلك حكمة بالغة، وهو سبحانه الخبير بمن يستحق الغنى، ومن يستحق الفقر: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } [الإسراء: 30].

ومن الناس من لا تصلح حاله إلا بالغنى، فإن أصابه الفقر فسدت حالُه، ومن الناس من لا تصلح حاله إلا بالفقر، فإن أصابه الغنى فسدت حاله، ولا يعلم ذلك إلا الله: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } [الشورى: 27].(30)

وقال تعالى : {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } [الإسراء: 30]

قال ابن كثير : هذا إخبار أنه تعالى هو الرزاق، القابض الباسط، المتصرف في خلقه بما يشاء، فيغني من يشاء، ويفقر من يشاء، بما له في ذلك من الحكمة؛ ولهذا قال: {إنه كان بعباده خبيرا بصيرا} أي: خبير بصير بمن يستحق الغنى ومن يستحق الفقر، فمن عباد الله من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغناه الله لفسد عليه دينه، وإن من عباد الله لمن لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقره الله لفسد عليه دينه.(31)

وليوقن العبد أنَّ منْعَ الله لطفٌ به وليس بخلا، قال شيبان الراعي لسفيان الثوري : يا سفيان! عُدَّ منْعَ الله إياك عطاءً منه لك؛ فإنه لم يمنعك بخلًا، إنما منعك لطفًا.(32)

قال تعالى : { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى: 27]

قال ابن كثير : أي: لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق، لحمَلَهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على بعض، أشرا وبطرا، ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم، وهو أعلم بذلك فيُغني مَن يستحق الغنى، ويفقر من يستحق الفقر.(33)

فعلى المسلم أن يقنع بما ساقه له ربه من الرزق فإن ذلك سبب فلاحه، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:  (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ).(34)

قال عمر بن عبد العزيز : بين العبد وبين رزقه حجاب، فإن قنع ورضيت نفسه، آتاه الله رزقه، وإن اقتحم وهتك الحجاب، لم يزد فوق رزقه.(35)

قال عبد الله بن مسعود: من اليقين أن لا ترضي الناس بسخط الله، ولا تحمدن أحدا على رزق الله، ولا تلومن أحدا على ما لم يؤتك الله فإن رزق الله لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهة كاره.(36)

ومن نظر إلى مَن دونه في الدنيا امتلأ قلبه غنى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ).(37)

ثم ليعلم العبد أن التسخط والجزع لا يجلب رزقًا ولا يدفع ضرًا، بل يزيد العبد من ربه نفورًا، ولنعمه جحودًا، فمن ضعف اليقين أن يقول المرء: فلان حرمني، أو فلان سبب في منعي من ذلك، أو نحو هذا.

قال عبادة بن الصامت لابنه: يا بني، إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  يَقُولُ: (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ).(38)

خامسا : من مقتضيا الإيمان باسم الله الرزاق : السعي في طلب الرزق

فمن مقتضيا ت الإيمان باسم الله الرزاق، أن يسعى العبد للحصول على رزقه الديني والدنيوي، لأن الله تعالى ربط الأسباب بمسبباتها، وإن كان سبحانه  قد كتب الأرزاق وقدرها،ولكنه أمرنا بالسعي، قال تعالى : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]

وأمرنا بالانتشار في الأرض بعد الصلاة لابتغاء الرزق، فقال تعالى : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [الجمعة: 10]   فمن ترك السعي اعتمادا فإنه مخالف لما قضاه الله تعالى قدرا وشرعا.

وأعرف الخلق بالله الأنبياء عليهم السلام، فقد كانوا يأخذون بالأسباب ويطلبون رزقهم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ).(39)

قال ابن عباس -رضي الله عنهما- : كان آدم عليه السلام حراثاً، ونوح نجاراً، وإدريس خياطاً، وإبراهيم ولوط زرًّاعين، وصالح تاجراً، وداود زراداً، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله عليهم رعاة.(40)

قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : لأن أموت بين شِعبتي جبل، أطلبُ كفاف وجهي؛ أحبُّ إليَّ من أن أموت غازيًا في سبيل الله.(41)

وسئل الإمام أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد وقال: لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي! فقال : هذا رجلٌ جَهِلَ العلمَ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي).(42) وقال (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا). فذكر أنها تغدو وتروح في طلب الرزق. قال : وكان الصحابة يتَّجِرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم، والقدوةُ بهم.(43)

سادسا : أن يوقن العبد أن العطاء ليس علامة الرضا ولا المنع علامة السخط

كثرة الرزق في الدنيا كقلة الرزق لا تدل على محبة الله تعالى للعبد ورضاه عنه، فالله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولكنه لا يعطي الدين إلا من يحب: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } [سبأ: 35 - 37].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : (إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ).(44)

وقال تعالى : { فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ } [الفجر: 15، 16]

قال ابن القيم :  أي ليس كل مَنْ نَعَّمْتُه ووسعت عليه رزقه أكون قد أكرمته، وليس كل من ابتليته وضيقت عليه رزقه أكون قد أهنته، بل أبتلي هذا بالنعم، وأكرم هذا بالابتلاء.(45)

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ  رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : (إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ، كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ (الإيمان) إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ، فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ، فَقَدْ أَحَبَّهُ).(46)

قال ابن القيم : وليست سعة الرزق والعمل بكثرته، ولا طول العمر بكثرة الشهور والأعوام، ولكن سعة الرزق وطول العمر بالبركة فيه.(47)

بل ربما يكون العطاء استدراجا من الله للعبد، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه-، عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ من الدنيا مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ ثُمَّ تَلاَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}).(48)

قال ابن كثير : قد يكون الغنى في حق بعض الناس استدراجا، والفقر عقوبة عياذا بالله من هذا وهذا.(49)

وقال بعض السلف: إذا رأيت الله يتابع عليك نعمه وأنت مقيم على معاصيه فاحذره؛ فإنما هو استدراج منه يستدرجك به

وقال بعض السلف: رب مستدرج بنعم الله عليه وهو لا يعلم، ورب مغرور بستر الله عليه وهو لا يعلم، ورب مفتون بثناء الناس عليه وهو لا يعلم.(50)

سابعا : أن لا يستعجل الرزق فيطلبه من غير حله

 إذا أيقن الإنسان أن الله هو الرزاق ؛ لم يطلب الرزق بما حرَّمه الله، فقد جاء في حديث أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : (إِنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِيَ أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلاَ يَحْمِلْكُمَ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ فَإِنَّهُ لاَ يُنَالُ مَا عِنْدَ الله إِلاَّ بِطَاعَتِهِ).(51)

فالرزق أمر كتبه الله تعالى وقدره، قبل أن يخلق السموات والأرض، فلا يحملنك استبطاء الرزق أن تطلبه بمعصية الله، ولا تبرر لنفسك بهذه الكلمات : أريد أن آكل عيشًا! و: أريد أن أربي أولادي! مبررًا بذلك ارتكاب الحرام! وليس هذا بعلة ولا عذر في ارتكاب المعاصي والذنوب.

---

(1) ملفق من كلام ابن القيم

(2) راجع القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 186)

(3) رواه أحمد (3/ 156) وأبو داود (3451) والترمذي (1314) وابن ماجه (2200) وصححه الألباني في صحيح الجامع(1/ 377)

(4) شرح القصيدة النونية لهراس (2/ 110)

(5) تفسير الطبري (21/ 556)

(6) الأسماء والصفات للبيهقي (1/ 172)

(7) النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 219)

(8) راجع الأسماء والصفات للبيهقي (1/ 172)

(9) النور الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى لأمين بن الحسن الأنصاري(ص: 39)

(10) شرح القصيدة النونية لهراس (2/ 110)

(11) لسان العرب (10/ 115) وتفسير القرطبي (1/ 178)

(12) شرح القصيدة النونية لهراس (2/ 110)

(13) الأسماء والصفات للبيهقي (1/ 172)

(14) نونية ابن القيم (ص: 211)

(15) راجع شرح القصيدة النونية لهراس (2/ 111)  وتفسير أسماء الله الحسنى للسعدي (ص: 204)

(16) تفسير ابن كثير (6/ 533)

(17) تفسير السعدي (ص: 445)

(18) تفسير الطبري (23/ 514)

(19) رواه مسلم (478)

(20) رواه البخاري (844) ومسلم (593) من حديث المغيرة بن شعبة أنه كتب بذلك لمعاوية -رضي الله عنهما-.

(21) شرح النووي على مسلم (4/ 196)

(22) رواه البخاري (7411) ومسلم (993)

(23) رواه مسلم (2577) من حديث أبي ذر -رضي الله عنه-

(24) رواه البخاري (3332) ومسلم (2643)

(25) رواه ابن أبي عاصم في السنة (264) وابن حبان (3238) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 336)

(26) رواه ابن أبي عاصم في السنة (265) وابن حبان (3240) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 336) والْعَائِرَة: هِيَ السَّاقِطَة عَلَى وَجْه الْأَرْض، وَلَا يُعْرَف مِنْ صَاحِبهَا.

(27) رواه أبو نعيم في الحلية (7/ 90) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2/ 929)

(28) تفسير ابن كثير (6/ 292)

(29) جامع العلوم والحكم (2/ 508)

(30) موسوعة فقه القلوب للتويجري (1/ 177)

(31) تفسير ابن كثير(5/ 71)

(32) صيد الخاطر (ص: 329)

(33) تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 206)

(34) رواه مسلم (1054)

(35) جامع العلوم والحكم (2/ 502)

(36) الزهد لهناد بن السري (1/ 304)

(37) رواه مسلم (2963)

(38) رواه أبو داود (4700) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ص: 2)

(39) رواه البخاري (2262)

(40) مختصر منهاج القاصدين (ص: 82)

(41) صيد الخاطر (ص: 166)

(42) رواه أحمد (2/ 50) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 546)

(43) فتح الباري لابن حجر (11/ 306)

(44) مسلم (2564)

(45) الداء والدواء (ص: 35)

(46) رواه أحمد (1/ 387) والبخاري في الأدب المفرد (275) وغيرهما، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (6/ 482)

(47) الداء والدواء (ص: 84)

(48) رواه أحمد (4/ 145) والطبراني (913) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 774)

(49) تفسير ابن كثير (5/ 71)

(50) الداء والدواء (ص: 35)

(51) رواه أبو نعيم في حلية الأولياء (10/ 27) وله شاهد من حديث ابن مسعود وجابر وحذيفة وغيرهم -رضي الله عنهم-، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة: أقل أحواله أن يكون حسنا (6/ 866)