حديث إنّ اللهَ طيبٌ

حديث أن الله طيب

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-،: (( أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ )). (1)

أهمية هذا الحديث:

قال النووي: هذا الحديث أحد الأحاديث التي هي قواعد الإسلام ومباني الأحكام. (2)

مباحث الحديث:

قوله (( إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ ))

فيه مسائل:

الأولى: هل الطيب من أسماء الله تعالى أو هو من باب الإطلاق؟

اختلف أهل العلم في عدِّ " الطيب " مِن أسماء الله تعالى، فذكره ابن منده، وابن العربي، والشيخ ابن عثيمين، في تعدادهم لأسماء الله عز وجل، ولم يذكره الأكثرون من العلماء: كسفيان بن عيينة، والخطابي، والحليمي، والبيهقي، وابن حزم، والقرطبي،

 وابن القيم، وابن حجر، والسعدي، وغيرهم ممن جمعوا أسماء الله الحسنى. (3)

المسألة الثانية: معنى الطيب

قال القاضي عياض -رحمه الله-: الطيب في صفة الله تعالى بمعنى المنزه عن النقائص وهو

بمعنى القدوس وأصل الطيب الزكاة والطهارة والسلامة من الخبث. (4)

وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُقَدَّسٌ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ كُلِّهَا، وَهَذَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} (النُّورِ: 26)، وَالْمُرَادُ: الْمُنَزَّهُونَ مِنْ أَدْنَاسِ الْفَوَاحِشِ وَأَوْضَارِهَا. (5)

فالله سبحانه وتعالى لا يلحقه شيءٌ من العيب والنقص. فهو عزّ وجل طيب في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته، وفي أحكامه، وفي أفعاله، وفي كل ما يصدر منه، وليس فيها رديء بأي وجه. (6)

قوله (( لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ))

الْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنَ الصَّدَقَاتِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا حَلَالًا.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ((لَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا)) أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا طَاهِرًا مِنَ الْمُفْسِدَاتِ كُلِّهَا، كَالرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ، وَلَا مِنَ الْأَمْوَالِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا حَلَالًا، فَإِنَّ الطَّيِّبَ يُوصَفُ بِهِ الْأَعْمَالُ وَالْأَقْوَالُ وَالِاعْتِقَادَاتُ، فَكُلُّ هَذِهِ تَنْقَسِمُ إِلَى طِيِّبٍ وَخَبِيثٍ. (7)

- فهو سبحانه وتعالى، لا يقبل إلا الطيب من الأقوال، فقد قال تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]

وضرب مثلاً للكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة، فقال تعالى{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24]

- ولا يقبل سبحانه إلا الطيب من الأعمال، والطّيب من الأعمال: ما كان خالصاً لله، موافقاً للشريعة.

كما قال تعالى{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]

وكل عمل لم يستند إلى الشرع فهو رديء مردودٌ عند الله عزّ وجل، لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا الطيب.

- ولا يقبل إلا الطيب من الأموال، والطيب من الأموال: ما اكتسب عن طريق حلال، وأما ما اكتسب عن طريق محرّم فإنه خبيث. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ)). (8)

- ولا يقبل من الناس إلا الطيبين وهم أهل الإيمان الذين طيبوا باطنهم بالإيمان وظاهرهم بالأعمال الصالحة.

 وقد وصف الله سبحانه المؤمنين بالطيب، قال تعالى { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32]  ويقال لهم عند دخول الجنة { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73]

فَالْمُؤْمِنُ كُلُّهُ طَيِّبٌ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ وَجَسَدُهُ بِمَا سَكَنَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَظَهَرَ عَلَى لِسَانِهِ مِنَ الذِّكْرِ، وَعَلَى جَوَارِحِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَرَةُ الْإِيمَانِ، وَدَاخِلَةٌ فِي اسْمِهِ فَهَذِهِ الطَّيِّبَاتُ كُلُّهَا يَقْبَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.

وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْصُلُ بِهِ طِيبَةُ الْأَعْمَالِ لِلْمُؤْمِنِ طِيبُ مَطْعَمِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ حَلَالٍ، فَبِذَلِكَ يَزْكُو عَمَلُهُ. (9)

- وفيه الحث على الإنفاق من الحلال والنهي عن الإنفاق من غيره وفيه أن المشروب والمأكول والملبوس ونحو ذلك ينبغي أن يكون حلالا خالصا لا شبهة فيه وأن من أراد الدعاء كان أولى بالاعتناء بذلك من غيره. (10)

- وفيه أن العبد إذا أنفق نفقة طيبة فهي التي تزكو وتنمو وأن الطعام اللذيذ غير المباح يكون وبالاً على آكله ولا يقبل الله عمله. (11)

وقوله  ))وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]

فيه فوائد:

1- أن الأصل استواء الأنبياء مع أممهم في الأحكام الشرعية، إلا ما قام الدليل على أنه مختص بهم. (12)

2- تَعظيم ورفعة لشأن المؤمنين، وأنهم أهلٌ أن يوجّه إليهم ما أمر به الرسل. (13)

3- استعمال ما يشجع على العمل، فإذا علم المؤمن أن هذا من مأمورات المرسلين فإنه يتقوَّى ويتشجّع على الامتثال.

4- وفيه ذم من امتنع عن الطيبات بدون سبب شرعي لأمر الله تعالى لأنبيائه وأوليائه بالأكل من الطيبات. (14)

ومما يدل على هذا المعنى حديث أَنَس بْن مَالِكٍ -رضي الله عنه-، قال: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ((أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)). (15)

5- يجب شكر نعم الله عزّ وجل بالعمل الصالح لقوله تعالى: (كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً) وفي المؤمنين قال: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّه).

وَقَوْلُهُ: ((ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟! )).

فيه من الفوائد:

- التحري في المأكل والمشرب والملبس لأنّ ذلك له تأثير بالغ في قبول الأعمال وردها وخاصة الدعاء.

قال يحيى بن معاذ الرازي -رحمه الله-: الطاعةُ خزانةٌ مِنْ خزائنِ اللهِ، إلا أنَّ مفتاحَها الدعاءُ وأسنانَه لقمُ الحلالِ. (16)

وقد ورد عن سلفنا الصالح رحمهم الله، ما يدل على حرصهم على تلك المعاني السامية

قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: كُنَّا نَدع تِسْعَة أعشار الْحَلَال مَخَافَة الْوُقُوع فِي الْحَرَام. (17)

وعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ -رحمه الله-، قَالَ: لَا يَكُونُ الرَّجُلُ تَقِيًّا حَتَّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ مُحَاسَبَةَ شَرِيكِهِ، وَحَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ مَلْبَسُهُ وَمَطْعَمُهُ وَمَشْرَبُهُ. (18)

وقال وُهيب بن الورد -رحمه الله-: لو قمتَ مقامَ هذه الساريةِ لم ينفَعْكَ شيءٌ حتى تنظرَ ما يَدخلُ بطنَك حلالٌ أو حرامٌ. (19)

قَالَ عبد الله بن الْمُبَارك -رحمه الله-: لِأَن أرُدَّ دِرهماً من شُبْهَةٍ، أحبُّ إِلَيّ من أَن أَتصدق بِمِائَة ألف وَمِائَة. (20)

- إثبات علو الله  بدليل قوله (( يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ))

 وهو ينقسم إلى قسمين:

الأول: علو صفة: وهذا متفق عليه بين جميع أهل القبلة، فصفات الله كلها عليا وحسنى.

الثاني: علو ذات. وهذا متفق عليه عند أهل السنة، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع.

- ذكرُ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَقْتَضِي إِجَابَةَ الدُّعَاءِ:

الدعاء روضة القلب، وأنس الروح؛ فهو صلة بين العبد وربه، يستجلب به الرحمة، ومن عظيم شأنه، وعلو مكانه، أن جعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أصل العبادة ولبها، وإذا كان للدعاء هذه المكانة العظيمة؛ فإنّه ينبغي على العبد أن يأتي بالأسباب التي تجعله مقبولا عند الله تعالى، ومن جملة تلك الأسباب:

 أَحَدُهَا: إِطَالَةُ السَّفَرِ

 وَالسَّفَرُ بِمُجَرَّدِهِ يَقْتَضِي إِجَابَةَ الدُّعَاءِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ: ((ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ)). (21)

وَالثَّانِي: حُصُولُ التَّبَذُّلِ فِي اللِّبَاسِ وَالْهَيْئَةِ بِالشَّعَثِ وَالِاغْبِرَارِ

وَهُوَ - أَيْضًا - مِنَ الْمُقْتَضِيَاتِ لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وكلما كان العبد أخشع كان دعاؤه أسمع، كَمَا فِي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((رُبَّ أَشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ)). (22)

 - وَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِلِاسْتِسْقَاءِ، خَرَجَ مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا. (23)

الثَّالِثُ: مَدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ

 وَهُوَ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ الَّتِي يُرْجَى بِسَبَبِهَا إِجَابَتُهُ، وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ الفارسي -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا)). (24)

وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ حَتَّى يَرَى بَيَاضَ إِبِطَيْهِ. (25)

وَالرَّابِعُ: الْإِلْحَاحُ عَلَى اللَّهِ بِتَكْرِيرِ ذِكْرِ رُبُوبِيَّتِهِ

 وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُطْلَبُ بِهِ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ،. . . . . . . وَمَنْ تَأَمَّلَ الْأَدْعِيَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ وَجَدَهَا غَالِبًا تُفْتَتَحُ بِاسْمِ الرَّبِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (الْبَقَرَةِ: 201)، {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (الْبَقَرَةِ: 286)، وَقَوْلِهِ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}  (آلِ عِمْرَانَ: 8). وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ. (26)

وَقَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: " ((فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ))

 مَعْنَاهُ: كَيْفَ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ فَهُوَ اسْتِفْهَامٌ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِبْعَادِ، وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي اسْتِحَالَةِ الِاسْتِجَابَةِ، وَمَنْعِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّوَسُّعَ فِي الْحَرَامِ وَالتَّغَذِّيَ بِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَوَانِعِ الْإِجَابَةِ

 وَلِهَذَا لَمَّا تَوَسَّلَ الَّذِينَ دَخَلُوا الْغَارَ، وَانْطَبَقَتِ الصَّخْرَةُ عَلَيْهِمْ بِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ الَّتِي أَخْلَصُوا فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَدَعَوُا اللَّهَ بِهَا، أُجِيبَتْ دَعْوَتُهُمْ.

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَا تَسْتَبْطِئِ الْإِجَابَةَ، وَقَدْ سَدَّدْتَ طُرُقَهَا بِالْمَعَاصِي، وَأَخَذَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ:

نَحْنُ نَدْعُو الْإِلَهَ فِي كُلِّ كَرْبٍ. . . ثُمَّ نَنْسَاهُ عِنْدَ كَشْفِ الْكُرُوبِ

كَيْفَ نَرْجُو إِجَابَةً لِدُعَاءٍ. . . قَدْ سَدَدْنَا طَرِيقَهَا بِالذُّنُوبِ(27)

- موانع إجابة الدعاء:

1ـ تعاطي الحرام والتوسع فيه من الطعام والشراب واللباس. وقد دل على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-، ((فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)).

2ـ الاستعجال في طلب الإجابة. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (( يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي )). (28)

3ـ الدعاء بالإثم أو القطيعة. كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّهُ قَالَ: ((لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ )). (29)

4ـ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ -رضي الله عنهما-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ)). (30)

5- الاعتداء في الدعاء قال سبحانه{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]

6- الإشراك بالله في الدعاء، ودعاؤه بأدعية مبتدعة محدثة ليس لها أصل في الشرع مخالفة للسنة. فإن الدعاء يحبط بالشرك وإن الله لا يقبل عملا على غير وفق ما شرعه لعباده. فعن عَائِشَةُ -رضي الله عنها-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)). (31)

وأخيراً: فما أحوجنا إلى أن نقف مع أنفسنا وقفةً حازمة، نتحرّى فيها ما نأكله من طعام، أو نلبسه من لباس، حتى يكون الدعاء مقبولا عند الله، نسأل الله تعالى أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبطاعته عن معصيته، وبه عمّن سواه.

والحمد لله رب العالمين

-----

(1) رواه مسلم (1015)

(2) شرح النووي على مسلم (7/ 100)

(3) موقع الإسلام سؤال وجواب (1/ 720)

(4) شرح النووي على مسلم (7/ 100)

(5) جامع العلوم والحكم (1/ 259)

(6) شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 141)

(7) جامع العلوم والحكم (1/ 259)

(8) رواه البخاري (1410) ومسلم (1014)

(9) جامع العلوم والحكم (1/ 260)

(10) شرح النووي على مسلم (7/ 100)

(11) شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص: 59)

(12) التحفة الربانية (ص: 28)

(13) شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 142)

(14) شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 147)

(15) رواه البخاري (5063) ومسلم (1401)

(16) إحياء علوم الدين (2/ 91)

(17) إحياء علوم الدين (2/ 95)

(18) الزهد لوكيع (ص: 501)

(19) صفة الصفوة (1/ 422)

(20) الكبائر للذهبي (ص: 119)

(21) رواه أَبُو دَاوُدَ (1536) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 582)

(22) رواه مسلم (2622)

(23) رواه أبو داود (1165) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (4/ 329)

(24) رواه أبو داود (1488) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 362)

(25) رواه أبو داود (1170) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4/ 334) من حديث أنس رضي الله عنه.

(26) جامع العلوم والحكم (1/ 269 274)

(27) جامع العلوم والحكم (1/ 277)

(28) رواه البخاري (6340) ومسلم (2735)

(29) رواه مسلم (2735

(30) رواه الترمذي (2169) وحسنه الألباني في  صحيح الجامع(2/ 1189)

(31) رواه مسلم (1718)