فن الوعظ

 

   إن  الوعظ والإرشاد وسيلة مهمة من وسائل الدعوة إلى الله تعالى، لا يُستغنى عنها بحال ولا يجوز التهوين من تأثيرها على الكثير من الناس، ولاسيما إذا قام بها داعية ذو قلب حي، وعقل نيِّر، فإن الله يهدي به الألوف من الناس. . وقد كان الإرشاد والوعظ جزءًا من مهمة الأنبياء والمرسلين، الذين بعثهم الله مبشرين ومنذرين، وتأتي أهمية الوعظ والإرشاد في أن الناس تصيبهم غفلة ونسيان، فينغمسون في الدنيا وينسون الآخرة والعمل لها. . وهنا تأتي مهمة الواعظ في أن ينبه الناس، ويوقظهم من غفلتهم، ويربطهم بربهم من جديد.

  ونعرض في هذ الأسطر لبعض المسائل المتعلقة بالواعظ والواعظين.

أساليب الوعظ:

لا تظن أن الوعظ لا يكون إلا بخطب رنانة، أو كلام مطوّل يُجمع له الناس، ويتهيئون له، ثم تُطَأطأ الرؤوس ويبدأ الواعظ بسرد موعظته! فكل هذا غير لازم، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعظ أصحابه بالخطبة، وقد يعظهم بما يناسب الحال، فيذكرهم بحقارة الدنيا حين يرى جَدْياً أَسَكّ، ويذكرهم بنعيم الجنة حين يعجب أصحابه من حلة حرير، ويذكرهم برحمة الله حين يرى امرأة تبحث عن صبيّها في السبي، ثم تضمه وترضعه، وهكذا. . . فقد تكون الموعظة قصة تُسرد، أو مثلاً يُضرب، أو جملة تقال، أو فعلاً يحتذى به، بدون تكلف أو تقعر.

  طرق الوعظ العام:

1- الخطابة: وهي أشد طرق الوعظ أثرًا في النفوس إذا كانت صادرة من قلوب مخلصة، طاهرة طيبة، كان لصاحبها من طلاقة اللسان ما يحسن التعبير عما يكنّه الفؤاد.

2- الدرس: الغالب في الدرس أن يكون شرحًا لآية من القرآن، أو لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم، أو بيانًا لمسألة أو مسائل من الفقه، كما أنَّ الغالب في الدرس أن يحضره عدد قليل من الناس جاءوا قاصدين سماع الدرس، مما يعطي فرصة طيبة للداعي أن يتعرَّف عليهم عن كثب، ويوثق علاقته بهم، ويشترط للداعي في درسه أن يحضِّر مادته مسبَّقًا تحضيرًا جيدًا، وأن لا يستطرد كثيرًا وهو يلقي موضوعه؛ لأنَّ الاستطراد يبعد السامع عن أصل الموضوع. (1)

3- الكتابة: المقصود بالكتابة في مجال الوعظ والإرشاد هي الكتابة الخطابية، والتي ينبغي أن تكتب بأسلوبٍ بسيط مفهوم واضح يدركه أقل النَّاس قدرة على فهم الخطاب.(2)

     فوائد الوعظ:

(1) زجر العاصي والفاجر.

(2) تذكير الغافل.

(3) تجديد الإيمان وتحريكه في النفوس.

(4) تثبيت المهتدي بالله.

(5) تعريف الخلق بالخالق.

(6) تبصير الناس بشرائع الإسلام وحدوده. (3)

   من  آداب الواعظ

وهناك آ داب ينبغي للواعظ أن يتحلى بها:

(1) أن يكون مخلصا في موعظته.

(2) أن يكون عالما بما يعظ به. مر علي رضي الله عنه بقاص فقال أتعرف الناسخ والمنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت.

(3) أن يكون رفيقا في موعظته.

(4) أن يصبر على أذى الناس.

(5) أن يكون عاملا بما يأمر الناس وينهاهم به.

(6) أن يكون فصيح اللسان لا يلحن في موعظته.

(7) أن يكون متبعا للسنة معظما لأثار السلف.

(8) أن يكون ورعا في مسائل الحلال والحرام وقافا عند حدود الله(4)

تقنيات الواعظ الناجح

- التخطيط المحكم للدرس قبل تقديمه.

- خطاب الناس على قدر عقولهم.

- استعمال لغة المبلغ لهم في الشرح والبيان.

- توزيع النظر على الحاضرين.

-تغيير نبرات الصوت ونغماته حسب المعنى.

- الانفعال مع الموضوع ومعايشته.

- استعمال الوسائل الحديثة في الإلقاء، وإن لم يتيسر عوض عنه بضرب الأمثلة وذكر القصص وسير الصالحين. .

- الالتزام بالموضوع وعدم اللجوء إلى التوسع والإطناب الكبيرين المؤديين إلى الملل وعدم الاستفادة. (5)

     ضوابط الوعظ:

أولاً: الاعتماد على الكتاب والسنة:

الواعظ حين يحث الناس على أمر ويُحذّرهم من آخر ينبغي أن يبين لهم الدليل، ولا يجعل حديثه مجرد أوامر ونواهٍ مجردة عن الدليل

ثانياً: في الصحيح غنية عن الضعيف:

وعند اعتماد الواعظ الكتاب والسنة، فإنه سيجد في تفسير القرآن كثيراً من الروايات الضعيفة، والإسرائيليات الموضوعة، وسيجد في كتب الحديث كثيراً من الأحاديث التي لا تثبت، وحينئذ: فإن عليه الحيطة والحذر بمراجعة كلام أهل العلم فيها، وهذا التحري دليل على صدق الواعظ؛ ففي حديث مسلم: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع). (6)

ثالثاً: تعهد الناس بالموعظة:

النفس تمل وتسأم فيضعف أثر التذكير فيها؛ وربما كرهته فلم يُنتفع به حينئذ

رابعاً: الحذر من المبالغة، والتهويل، وتقنيط الناس:

اجتهاداً في محبة الخير للناس والخوف عليهم يقوم الواعظ أحياناً بتضخيم جزاء السيئة، وعقوبة المعصية، فيزيد على الوارد فيها أحياناً، ويهول ويعظم أخرى، حتى يخيل لسامعه أن عذاب الله نازل به لا محالة، وأنه لا توبة له، وأن عمله الصالح لن ينفعه، وأنه لا حيلة له!.

وقد يحدث العكس أحياناً عند بعض الوعاظ، فيُهَوّنون من المعصية ويقللون من شأنها! والمنهج الشرعي الوسط: الموازنة بين الترغيب والترهيب، والخوف والرجاء، قال تعالى: { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)} [الحجر: 49، 50]

خامساً: البلاغة بلا تكلف:

قال ابن رجب: "والبلاغة في الموعظة مستحبة؛ لأنها أقرب إلى القلوب واستجلابها، والبلاغة: هي التوصل إلى إفهام المعاني المقصودة، وإيصالها إلى قلوب السامعين بأحسن صورة من الألفاظ الدالة عليها، وأفصحها وأحلاها للأسماع، وأوقعها في القلوب، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقصر خطبتها، ولا يطيلها، بل كان يبلغ ويوجز"(7)

سادساً: استغلال المناسبات والأحداث:

كان -صلي الله عليه وسلم- يستغل المناسبة أو الحدث ولو كان يسيراً قد لا يوقف عنده، ولا يؤبه به وينطلق من خلاله مربياً واعظاً، والشواهد كثيرة، منها: قوله يوم النحر: ((أي شهر هذا؟. . . فأي بلد هذا؟. . . فأي يوم هذا؟. . )). ثم قال: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام؛ كحرمة يومكم هذا؛ في بلدكم هذا، في شهركم هذا. . . ). (8)

سابعا: الوعظ في موضعه الصحيح:

ركز بعض الناس على التربية بالوعظ تركيزاً شديداً، وظنّ أنّ الوعظ هو الوسيلة الوحيدة للبناء والتربية، والصحيح أن الوعظ باب مهم من أبواب التربية، ولكنه ليس الباب الوحيد، فأبواب الدين كثيرة ولله الحمد، كالعلم والتعليم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،. . ونحوها، وهذه الأبواب تكوّن بمجموعها وحدة واحدة متآلفة، ويجب إعطاء كل باب حقه الشرعي، في وقته الشرعي دون إفراط أو تفريط. (9)

منهج السلف في الوعظ

- اقتصر السلف رحمهم الله في مواعظهم على ما يبلغ المعنى ويفي بالغرض، ولذا جاءت مواعظهم خالية من كل تكلف وتشدق وسجع وإطناب، مهتمين بالمضمون، ومتخولين بالموعظة خشية الإملال، فلم يعيبوا أحداً، ولم يشهروا بمذنب قط.

- أخرج كثير من قصاص العصر الحاضر الوعظ عن مقصوده الشرعي، وتنكبوا منهج سلفهم، فعجت مجالسهم بالمنكرات الفعلية وبالتشبه بالكفرة، مع انحراف في العقيدة، ونشر للفتنة، وترويج للخنا، واستحداث طرق بدعية في الوعظ والتذكير، حيث نشأ التمثيل، ومن قبله النشيد، وغدا هؤلاء المرجفون هم الأعلام المبرزون في مجال الوعظ، وعظمت فتنة الناس بهم.

- إن بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة، قد حادت عن منهج السلف في الوعظ، ويرجع مجمل انحرافها إلى إهمال الدعوة إلى التوحيد، بل والدعوة إلى الشرك إحياناً، مع ابتداع وسائل ما أنزل الله بها من سلطان لوعظ الناس وتذكيرهم؛ كالأناشيد والتمثيل، والخروج، والسياحة، وغيرها.

كما انحرف مضمون الوعظ عند بعض الجماعات وذلك بالدعوة إلى الاعتزال وهجر المجتمعات وتكفيرها، بل شمل الانحراف المقاصد أيضاً حينما جعلت بعض هذه الجماعات من الموعظة أداة للدعوة الحزبية، والمذهبية.

- إن الأصل في وسائل الوعظ هو التوقيف، فلا يجوز استحداث أي وسيلة دعوية لوعظ الناس مهما توهم نفعها، أو اغتر ببريقها. (10)

     أخطاء شائعة في الوعظ:

- الإطالة في الوعظ لغير داع أو ضرورة، فإن السنة التقصير إلا لشيء عارض.

- الاعتماد على الأحاديث المنكرة والأخبار الواهية.

- التوسع في القصص الغريبة والمبالغة في ذكرها.

- النزول في الأسلوب والإكثار من كلام العامة.

- المبالغة في ضرب المثال التافهة.

- تضحيك الناس والتهريج عليهم والاستخفاف بعقولهم.

- تجريح السامعين والتهجم عليهم.

- توصيف المنكرات والتوسع في ذكر الفواحش وطرقها.

-التحدث بلغة عاليه وخطاب فكرى في قضايا لاتناسب مدارك الحضور وثقافتهم. (11)

----

(1)  أصول الدعوة (ص: 476)

(2)  أصول الدعوة لعبد الكريم زيدان (ص: 482)

(3)  انظر: فقه الوعظ، خالد سعود البليــهد

(4) انظر: فقه الوعظ، خالد سعود البليــهد

(5)  انظر: دليل الواعظ الناجح

(6)  أخرجه مسلم برقم (5)

(7)  جامع العلوم والحكم، (2/111)

(8)  أخرجه مسلم، (679).

(9)  انظر: فن الوعظ أهميته وضوابطه، عبد الحكيم بن محمد بلال

(10)  انظر: منهج السلف في الوعظ، سليمان العربي بن صفية

(11)  انظر: فقه الوعظ، خالد سعود البليــهد