الاستعجال بين الممنوع والمشروع

الاستعجال بين الممنوع والمشروع

نظرة الإسلام إلى الاستعجال

صور للاستعجال المذموم  والاستعجال المحمود

سبل الوقاية من العجلة المذمومة وعلاجها

مقدمة: كما أنَّ التأنِّي مندوبٌ إليهِ في ظروفٍ تليقُ بهِ فإنَّ ظُروفاً أُخرى تليقُ بالعجلة، وربما فاتَ قوماً جُلُّ مطلبِهم مِنَ التأنِّي وكانَ الأمرُ في مُحصِّلتِهم لو عجلُوا، والحياةُ فرصٌ قد لا تعود، والعاقل مَنْ يغتنمها في تحقيق طموحاته وأهدافه؛ وكذلك كم مِنْ إنسان أوردته العجلة موارد الهلاك والضياع كما كانت العرب تقول: العجلةُ أمُّ الندامات؛ إذا فالأمر يحتاج إلى وقفة تأمل ونظر ليتضح المسلك القويم والصراط المستقيم في هذه المسألة.

نظرة الإسلام إلى الاستعجال

لما كانت العجلة من طبيعة الإنسان بشهادة خالقة ومدبر أمره سبحانه وتعالى: { وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا } [الإسراء: 11]  فإن الإسلام ينظر إلى الاستعجال نظرة عدالة وإنصاف، فلا يحمده بالمرة ولا يذمه بالمرة، وإنما يحمد بعضه، ويذم البعض الآخر.

فيُحمد الاستعجال: في كل ما كان ناشئاً عن تقدير دقيق للآثار والعواقب، وعن إدراك تام للظروف والملابسات، وعن حسن إعداد، وجودة ترتيب، أو كان بحسب مطلوب الشارع ومرغوبه.

ولعل هذا النوع من الاستعجال هو المعنيُّ في قوله تعالى عن موسى عليه السلام: { وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى } [طه: 83، 84].

فالظروف مناسبة، والفرصة مواتية، والعاقبة محمودة، والنفس صافية مشرقة، فما الذي يحمل موسى على التواني والتأخير؟!

أما المذموم منه: فهو ما كان مجرد ثورة نفسية خالية من تقدير العاقبة، ومن الإحاطة بالظروف والملابسات، ومن أخذ الأهبة والاستعداد.

لذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتأني وحذر من العجلة كما في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( التَّأَنِّي مِنَ اللهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ)).(1)

وقال ابن حبان رحمه الله-: إنّ العَجِل يقول قبل أن يعلم، ويجيب قبل أن يفهم ويحمد قبل أن يجرّب، ويذمّ بعدما يحمد، ويعزم قبل أن يفكّر، ويمضي قبل أن يعزم، والعجل تصحبه النّدامة، وتعتزله السلامة، وكانت العرب تكنيها أمّ النّدامات. (2)

ثانيًا: بيان صور للاستعجال المذموم  والاستعجال المحمود

النوع الأول: الاستعجال المذموم وله صور كثيرة منها:

1- الاستعجال في الدعاء وله صور منها:

- الاستعجال في الدعاء بالشر: ويحدث كثيرًا أن الإنسان قد يدعو على نفسه بالهلاك، أو على ولده أو على ماله، ومن رحمة الله بنا أنه لا يعجل لنا ذلك: { وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [يونس: 11]

ولقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك وحذَّر منه، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ )). (3)

ولعل كثيرًا مما نرى من المصائب والأمراض وفساد الأولاد يكون بسبب الدعاء عليهم، وكثير من الناس لا يشعر بذلك، فهل من مدكر؟!

- استعجال استجابة الدعاء

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: (( يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، فَيَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ رَبِّي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي  )). (4)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: (( لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ )) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ: يَقُولُ: ((قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ )). (5)

قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ  -رضي الله عنه-: مَنْ يُكْثِرْ قَرْعَ الْبَابِ يُوشِكْ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ، وَمَنْ يُكْثِرِ الدُّعَاءَ يُوشِكْ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ. (6)

 4- الاستعجال في الصلاة: وله صور منها:

- استعجال بعض المصلين في صلاتهم، فلا يُتِمّونَ رُكُوعَهَا ولا سُجُودَهَا ولا يَطْمَئِنّونَ فيها

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ المَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَصَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَرَدَّ وَقَالَ: (( ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ))، فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: (( ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ )) ثَلاَثًا، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ، فَعَلِّمْنِي، فَقَالَ: (( إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا )). (7)

 - الاستعجال في سبق الإمام

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ، أَنْ يُحَوِّلَ اللهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ؟ )). (8)

3 - استعجال بعض الدعاة والمصلحين في إصلاح الناس وتغيير واقعهم بين عشية وضحاها

بعض الشباب المتحمس يبدأ في الدعوة باندفاع، فإذا حصل له نوع من أنواع الابتلاء من عدم استجابة الناس، أو عدم زوال المنكرات، بدأ يتململ ويتذمر وربما يتوقف عن مواصلة الطريق، أو يتصرف تصرفات طائشة من واقع الضغط النفسي، تضر به وبمن حوله وربما تضر بالدعوة كلها وتؤخرها عشرات السنين، فينبغي أن يعلم أرباب الاستعجال أن لله في خلقه سنناً لا تتبدل وأن لكل شيء أجلاً مسمى، وأن الله لا يعجل كعجلة أحد من الناس، وأن لكل ثمرة أواناً تنضج فيه فيحسن عندئذ قطافها، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ -رضي الله عنه-، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنَا: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: (( قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ )). (9)

وعلى الداعية والمصلح أن يعلم أنه ليس مطالباً بالنتائج أو تحقيق النصر للإسلام فهذا أمره لله، لكنه مطالب ببذل الجهد فحسب: { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} [الشورى: 48]

 4- نشر الخبر قبل التثبّت من صحته

فالمسلم مأمور بالتثبت من الخبر قبل نقله، يقول الله سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [الحجرات: 6].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ )). (10)

  فينبغي للمسلم ألا ينشر الخبر إلا بعد التثبت من صحته ثم ينظر إلى ما يترتب على نشره، فقد يكون من نشر الفاحشة في المؤمنين قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } [النور: 19]

أو يترتب عليه فتنة وضرر واقتتال بين الناس، فيحذر المسلم أن يكون مفتاحا للشر.

5- الاستعجال في طلب العلم:

 وهو أن يترك الطالب تعلّم بديهيات العلم وبداياته ويخوض في غمار المسائل الكبار  التي ربما توقف فيها الكبار من أهل العلم، والأصل أخذ الأمور من أولها ودخول البيوت من أبوابها كما قال تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79]

والرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره. (11)

قال الشعبي :العلم ثلاثة أشبار فمن نال منه شبرا شمخ بأنفه وظن أنه ناله. ومن نال الشبر الثاني صغرت إليه نفسه وعلم أنه لم ينله، وأما الشبر الثالث فهيهات لا يناله أحد أبدا. (12)

   6- استعجال الرزق

وصورته أن يستبطئ الإنسان الرزق فيستعجل، فيطلبه من طرق محرمة ووجوه غير مشروعة، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( إِنَّ رَوْحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِيَ أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ يَطْلُبَهُ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ )).(13)

النوع الثاني: الاستعجال المحمود

الإسلام يدعو إلى المبادرة والمسابقة والمسارعة في أعمال الآخرة، والنصوص في هذا المعنى كثيرة وواضحة، منها حديث سعد بن وقاص -رضي الله عنه-، أنَّ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((التُّؤَدَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ )). (14)    لأن العمل للآخرة بضوابطه خير محض لا شر فيه، وقد جاءت الآيات تجلي هذا المعنى وتوضحه، فأمر الله بالمسارعة إلى الخيرات والطاعات، فقال تعالى: { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]

وقال تعالى: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عمران: 133].

ومدح أهل السبق والمسارعة إلى الخيرات، فقال سبحانه: { أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61]

ومدح صفوة خلقه وأنبائه عليهم السلام فقال في وصفهم: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء: 90]  وقال أيضا: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } [الواقعة: 10، 11]

والإنسان لا يضمن ألا تأتيه المعوقات التي يصعب على الإنسان معها أن يؤدي ما عليه من طاعات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا )). (15)

وهذه عدة أمور يستحب بل ربما يجب في بعضها العجلة:

1- الاستعجال والمسارعة إلى امتثال أوامر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-

فامتثال أوامر الله ورسوله لا يحتاج إلى تريث أو تمهل لأنها خير كلها، لذلك قال تعالى: { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات: 50]

قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]

والصحابة ضربوا أروع الأمثلة في سرعة الامتثال لله ولرسله بدون أي تردد، وإليك مثال من كثير من الأمثلة التي نُقلت عنهم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ. (16)

 2- الاستعجال والمسارعة في التوبة إلى الله

يقول تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 17، 18]

 فالتوبة من الأمور العاجلة التي لا تحتاج إلى تسويف؛ فلربما أتى الموت بغتةً فيحتاج الإنسان أن يتوب، ولكن قد أُغلق باب التوبة دونه! ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ، مَا لَمْ يُغَرْغِرْ )). (17)

وعَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا )).(18)

3- الاستعجال في أداء الحقوق وردِ المظالم إلى أهلها

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ

 أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ )). (19)

 4- الاستعجالُ في أداء الدَّيْنِ لخطورته

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ )). (20)

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ، إِلَّا الدَّيْنَ )). (21)

 5- العجلة في أداء فريضة الحج

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ - يَعْنِي: الْفَرِيضَةَ - فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ )). (22)    وفي رواية: (( مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ، فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ تَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَيَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَكُونُ الْحَاجَةُ )). (23)

6- تعجيل الفطر:

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ  -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (( لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ )). (24)

 

ثالثًا: سبل الوقاية من العجلة المذمومة  وعلاجها

- إمعان النظر في الآثار والعواقب المترتبة على الاستعجال؛ فإن ذلك مما يهدئ النفس، ويحمل على التريث والتأني.

 ومن واقعنا المعاصر نرى كثيرًا من الناس يندمون حين لا ينفعهم الندم، بسبب استعجالهم في أمور كان عليهم أن يتَأَنَّوْا فيها، فمن ذلك أنه لأقل الأسباب يطلق الرجل زوجته، فتتشتت الأسر، ويضيع الأطفال، وتهدم البيوت، ويقع من الهم والغم ما الله به عليم، كل ذلك بسبب العجلة، فهل من مدكر؟!

وكذلك ما نسمعه من الحوادث المروعة التي كانت سببًا لإزهاق نفوس كثيرة، وأمراض خطيرة، وعاهات مزمنة، إنما وقع بسبب العجلة.

 - دوام المطالعة في السنة والسيرة النبوية؛ فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحلم الناس وأحكم الناس، لذلك ينبغي للمسلم التأسي به: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]

 - مجاهدة النفس، وتدريبها على ضرورة التريث والتأني والتروي؛ فإنما الحلم بالتحلم، ومن يتصبَّرْ يُصبِّرْه الله.

- مصاحبة الحكماء وأهل الحلم والعقل فالمرء على دين خليله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ )).(25)

والحمد لله رب العالمين

---

() رواه أبو يعلى (4256) والبيهقي في الكبرى (10/ 178) وحسنه الألباني في الصحيحة (4/ 404)

() روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 216)

() رواه مسلم (3009)

() رواه البخاري (6340) ومسلم (2735)

() رواه مسلم (2735)

() شرح السنة للبغوي (5/ 191)

() رواه البخاري (757) ومسلم (397)

() رواه البخاري (691) ومسلم (427)

() رواه البخاري (6943)

() رواه مسلم في مقدمة صحيحه (1/ 10)

() تفسير البغوي (2/ 60)

() أدب الدنيا والدين (ص: 73)

() رواه الطبراني (7694) وأبو نعيم في الحلية (10/ 27) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 420)

() رواه أبو داود (4810) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 578)

() رواه مسلم (118)

() رواه البخاري (403) ومسلم (526)

() رواه الترمذي (3537) وابن ماجه (4253) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 386)

() رواه مسلم (2759)

() رواه البخاري (2449)

() رواه الترمذي (1078) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1147)

() رواه مسلم (1886)

() رواه أحمد (1/ 313) وحسنه الألباني في إرواء الغليل (4/ 168)

() رواه أحمد (1/ 214) وحسنها الألباني في صحيح الجامع (2/ 1039)

() رواه البخاري (1957) ومسلم (1098)

() رواه أبو داو د(4833) وحسنه الألباني في صحيح الجامع   (1/ 664)