رمضان فرصة ثمينة فاغتنمه

رمضان فرصة ثمينة فاغتنمه

لمـــاذا رمـــضــان؟

كـيـــف نـستـغـل رمــضــان؟

احــــذر الفــــوات

إن شهر رمضان شهر مغنم وأرباح، والتاجر الحاذق يغتنم المواسم ليزيد من أرباحه فاغتنموا هذا الشهر بالعبادة وكثرة الصلاة وقراءة القرآن والعفو عن الناس والإحسان للغير والتصدق على الفقراء.

فمن لم يغتنم الفرصة في هذا الشهر فهو موسوم بالذل والهوان والخسران كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، ورَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ"(1).

فإنه لشهر تغفر فيه الخطيئات وتضاعف فيه الطاعات فما ينسلخ إلا وقد غفر الله لمن أقبل على طاعته وتجاوز عن سيئاته فمن لم يغفر له فقد أُتى من قِبَل نفسه، ولا يهلك على الله إلا هالك وصار حقيقًا بالدعاء بأن يرغم الله أنفه لتفريطه في جنب الله وإقباله على خلاف مراضيه(2).

وقد وصف الله هذا الشهر بقوله: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184] فاغتنمها واستزد فيها من فعل الخيرات، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: " وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لي فِى كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لي مِنْ كُلِّ شَرٍّ "(3).

لمــاذا رمــضـان؟

لا أحد يعلم الحكمة من اختيار شهر رمضان من بين سائر الشهور للصيام وإنزال القرآن إلا الله، ولا نعلم خبرًا عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، يذكر ذلك، والله عز وجل بيده مقادير كل شيء فهو سبحانه: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } [القصص: 68]، ومن اللطائف أن لفظ رمضان لم يذكر في القرآن إلا مرة واحدة، وكأنه حدَّث به في كتابه مرة، وشرع صيامه للعباد في العام مرة فمن اغتنمه كان من الفائزين ومن لم يبالي كان من الخاسرين، والله عز وجل اختصَّ هذا الشهر وفضَّله على سائر الأشهر ببعض الفضائل منها:

1-أُنزل فيه القرآن:

من أعظم الخصائص التي خص بها هذا الشهر الكريم، أن الله عز وجل اختصه بإنزال أعظم كتبه، قال سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]

قال ابن كثير: "يمدح الله تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور، بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم فيه، وكما اختصه بذلك، قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء"(4).

فمن أعظم النعم التي منَّ الله بها على عباده أن أنزل لهم كتابه فجعله هدىً للعالمين، ومنارة للسالكين، كما قال سبحانه: { ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 2]

وقال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9]، وجعله سبحانه شفاءً للمؤمنين فقال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82]

قال الســعدى: "فالقرآن مشتمل على الشفاء والرحمة، وليس ذلك لكل أحد، وإنما ذلك للمؤمنين به، المصدقين بآياته، العاملين به، وأما الظالمون بعدم التصديق به أو عدم العمل به، فلا تزيدهم آياته إلا خسارًا"(5).

وهو خير الكلام على الإطلاق، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "خَيْرُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-" (6).

2-تفتح فيه أبواب الجنة:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ"(7).

وَقَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: "فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجنة وغلقت أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ"، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: "يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَأَنَّ تَفْتِيحَ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَتَغْلِيقَ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ وَتَصْفِيدَ الشَّيَاطِينِ عَلَامَةٌ لِدُخُولِ الشَّهْرِ وَتَعْظِيمٌ لِحُرْمَتِهِ وَيَكُونُ التَّصْفِيدُ لِيَمْتَنِعُوا مِنْ إِيذَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّهْوِيشِ عَلَيْهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَجَازَ وَيَكُونَ إِشَارَةً إِلَى كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالْعَفْوِ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَتْحُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ عِبَارَةً عَمَّا يَفْتَحُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الَّتِي لَا تَقَعُ فِي غَيْرِهِ عُمُومًا كَالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ وَفِعْلِ الْخَيْرَاتِ وَالِانْكِفَافِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ وَهَذِهِ أَسْبَابٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَأَبْوَابٌ لَهَا وَكَذَلِكَ تَغْلِيقُ أَبْوَابِ النَّارِ وَتَصْفِيدُ الشَّيَاطِينِ عِبَارَةٌ عَمَّا يَنْكَفُّونَ عَنْهُ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ(8).

3-فيه خير الليالي:

وهي ليلة القدر التي هي من أعظم النعم على هذه الأمة، وقد خصت هذه الليل

 بكثير من الفضائل، قال ابن عباس وغيره: أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا، ثم نزل مفصلًا بحسب الوقائع في ثلاث  وعشرين سنة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-(9).

ووصفها ربنا بأنها ليلة مباركةٌ خيرٌ من ألف شهر: فقال سبحانه: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]، وقال جلَّ شأنه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3]

ومن فضائلها: أن الملائكة تتنزل بكثرة فيها كما ذكر ربنا تبارك وتعالى، فقال تعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر} أي: يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيما له. وأما الروح فقيل: المراد به هاهنا جبريل -عليه السلام - فيكون من باب عطف الخاص على العام. وقيل: هم ضرب من الملائكة(10).

أن الله يغفر لمن قامها إيمانًا واحتسابًا ما تقدم من ذنبه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(11).

ووصفها ربنا بأنها سلامٌ: فقال تعالى: { سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5]

قال ابن كثير: هي سالمة، لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا أو يعمل فيها أذىً(12).

4-سبب لمغفرة الذنوب:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(13).

قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إيمانًا"، يريد تصديقًا بفرضه وبالثواب من الله تعالى، على صيامه وقيامه، وقوله: "احتسابًا"، يريد بذلك يحتسب الثواب على الله، وينوى بصيامه وجه الله، وهذا الحديث دليل بين أن الأعمال الصالحة لا تزكو ولا تتقبل إلا مع الاحتساب وصدق النيات(14).

قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: "غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"، الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِغُفْرَانِ

 الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يُخَفِّفَ مِنَ الْكَبَائِرِ مَا لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً(15).

5-أن الله عز وجل أضاف صيام العبد إلي نفسه:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ "(16).

قال القاضي عياض: "تخصيصه الصوم هاهنا بقوله: " لي "، وإن كانت أعمال البر المخلصة كلها له تعالى؛ لأجل أن الصوم لا يمكن فيه الرياء، كما يمكن في غيره من الأعمال؛ لأنه كف وإمساك، وحال الممسك شبعًا أو فاقةً كحال الممسك تقرُباً، وإنما القصد وما يبطنه القلب هو المؤثر في ذلك، والصلوات والحج والزكاة أعمال بدنية ظاهرة يمكن فيها الرياء والسمعة، فلذلك خص الصوم بما ذكره دونها"(17).

6-خصَّ اللهُ الصائمين بباب من أبواب الجنة:

عَنْ سَهْلِ بِنْ سَعْدِ السَاعِدِي -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: " إِنَّ فِي الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ

الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لاَ يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ "(18).

وإنما أفردَ الصائمين بهذا الباب ليسارعوا إلى الري من عطش الصيام فى الدنيا إكرامًا لهم واختصاصًا، وليكون دخولهم فى الجنة هينًا غير متزاحم عليهم عند أبوابها، وفي هذا الحديث دليل على فضيلة الصيام وكرامة الصائمين(19).

كيـــف نسـتغـل رمـضـــان؟

أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن مناديًا ينادي من قِبَلِ الله عز وجل في هذا الشهر يقول" يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ"، وباغي الخير والفضل والثواب في هذا الشهر الكريم لابد أولاً أن يبادر بالتوبة الصادقة المستوفية لشروطها وكثرة الاستغفار كما قال الله  عز وجل  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8].

ثم يعقد العزم الصادق والهمة العالية على تعمير رمضان بالأعمال الصالحة قال تعالى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد: 21]

وقال سبحانه: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً َ} [التوبة: 46].

 ثم يحرص على تعلم ما لابد منه من فقه الصيام أحكامه وآدابه والعبادات المرتبطة برمضان من اعتكاف وعمرة وزكاة فِطر وغيرها(20).

ثم يحرص كل الحرص ألا تفوت منه ساعة في هذا الشهر إلا في طاعة، وعليه أن يستغل أوقاته في ما يرضي الله عز وجل حتى ينال الثواب والأجر العظيم، ويكتب إن شاء الله من المعتقين.

ومن الوسائل التي تعين على استغلال رمضان، ونيل الأجر والثواب إن شاء الله:

1-المحافظة على وجبة السحور:

فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً"(21)، وفي التسحر اتباع للسنة ومخالفة لأهل الكتاب والتعرض لأوقات إجابة الدعاء فيه وبه يتقوى الصائم على صيام النهار وتخفَّف به المشقة.

قال ابن دقيق العيد: " وَهَذِهِ الْبَرَكَةُ: يَجُوزُ أَنْ تَعُودَ إلَى الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ. فَإِنَّ إقَامَةَ السُّنَّةِ تُوجِبُ الْأَجْرَ وَزِيَادَتَهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَعُودَ إلَى الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، لِقُوَّةِ الْبَدَنِ عَلَى الصَّوْمِ، وَتَيْسِيرِهِ مِنْ غَيْرِ إجْحَافٍ بِهِ"(22).

2- المحافظة على صلاة الفجر والجلوس بعدها إلى طلوع الشمس:

عن أَنَسِ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ"،

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ"(23).

3-الإكثار من أعمال البر سائر اليوم:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: أَنَا، قَالَ: "فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه-: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ".

ومن أعمال البر في رمضان العمرة، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لِأُمِّ سِنَانٍ الأَنْصَارِيَّةِ: "مَا مَنَعَكِ مِنَ الحَجِّ؟ "، قَالَتْ: أَبُو فُلاَنٍ، تَعْنِي زَوْجَهَا، كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا، قَالَ: "فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي"(24). أي تعدل ثواب حجة.

4-الإكثار من قراءة القرآن وتدبره:

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ-رضي الله عنه-، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ"(25).

وكان السَّلفُ رحمهم الله يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها، فكان الأسود يقرأ القرآن في كلِّ ليلتين في رمضان، وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة وفي بقيّة الشهر في ثلاث.

وكان قتادة يختم في كلِّ سبع دائماً وفي رمضان في كلِّ ثلاث، وفي العشر الأواخر كلَّ ليلة.

وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان، وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على تلاوة القرآن، والآثارُ عنهم في هذا المعنى كثيرة(26).

5-إفطار الصائمين:

فمن فطر صائمًا نال أجر الصيام مرتين كما في الحديث عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا"(27).

قال الصنعاني: " وينبغي للصائم قبول ما يعطاه أن يفطر به إعانة لأخيه على الآخرة وإجابته إن دعاه للعشاء"(28).

6-الدعاء عند الإفطار:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: " ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ"(29).

7-المحافظة على صلاة التراويح:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(30).

وعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ"(31).

ومعنى "كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ" أَيْ حُصِّلَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ تَامَّةٍ يَعْنِي أَنَّ الْأَجْرَ حَاصِلٌ بِالْفَرْضِ وَزِيَادَةُ النَّوَافِلِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَدْرِ النَّشَاطِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا(32).

احــــذر الفــوات

لو نظرنا حولنا لوجدنا أن بعضاً ممن أدرك رمضان الماضي أصبح من أهل القبور، وربما البعض منا في هذا العام ممن يُقدر الله له أن يصوم رمضان كاملاً. فيقدر الله ألا يكون من أهل الدنيا بعده فيكون آخر رمضان يصومه ويقومه، ولو استشعر كل منا هذا الأمر واستعد للموت بعد رمضان أو في أثنائه وصام رمضان إيماناً واحتساباً وقامه أيضاً إيماناً واحتساباً لنال السعادة والفوز بالجنة، فرغم أنف ثم رغم أنف من أدرك رمضان ولم يغفر له.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: آمِينَ، آمِينَ، آمِينَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا؟ فَقَالَ: قَالَ: لِي جِبْرِيلُ-عليه السلام -: أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَ عَبْدٍ، أَوْ بَعُدَ - دَخَلَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْتُ: آمِينَ، ثُمَّ، قَالَ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ، أَوْ بَعُدَ - أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ، أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يُدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، ثُمَّ، قَالَ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ، أَوْ بَعُدَ - ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: آمِينَ(33).

قد يحتج البعض بقوله نحن مرتبطون بأعمال ممن يستعان بها على المعيشة فلا ندري ماذا نصنع؟ فيقال لمثل هؤلاء استعن بالله عز وجل، وحاول أن تغتنم الفرص قدر المستطاع لك مع الدعاء بصدق أن يوفقك الله للعمل الصالح، فإن الله إذا رأى منك صدقًا جزاك على عملك القليل الأجر الكثير، والله جلَّ شأنه برٌ شكورٌ كريمٌ، وليعلم الواحد منا أن الوقت هو بمثابة الحياة، فمن لم يغتنم وقته ضاع عمره، ومن لم يغتنم مواسم الطاعات ويتحرى أوقاتها فلا شك أنه هو الخاسر المبين، فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.

قال ابن القيم: " فَالْعَارِفُ ابْنُ وَقْتِهِ، فَإِنْ أَضَاعَهُ ضَاعَتْ عَلَيْهِ مَصَالِحُهُ كُلُّهَا، فَجَمِيعُ الْمَصَالِحِ إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنَ الْوَقْتِ، وَإِنْ ضَيَّعَهُ لَمْ يَسْتَدْرِكْهُ أَبَدًا، قَالَ الشَّافِعِيُّ: " صَحِبْتُ الصُّوفِيَّةَ فَلَمْ أَسْتَفِدْ مِنْهُمْ سِوَى حَرْفَيْنِ: أَحَدُهُمَا قَوْلُهُمْ: الْوَقْتُ سَيْفٌ، فَإِنْ قَطَعْتَهُ وَإِلَّا قَطَعَكَ ".

وَذَكَرَ الْكَلِمَةَ الْأُخْرَى: " وَنَفْسُكَ إِنْ لَمْ تَشْغَلْهَا بِالْحَقِّ وَإِلَّا شَغَلَتْكَ بِالْبَاطِلِ ".

فَوَقْتُ الْإِنْسَانِ هُوَ عُمُرُهُ فِي الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ مَادَّةُ حَيَاتِهِ الْأَبَدِيَّةِ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَمَادَّةُ الْمَعِيشَةِ الضَّنْكِ فِي الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَهُوَ يَمُرُّ أَسْرَعَ مِنَ السَّحَابِ، فَمَا كَانَ مِنْ وَقْتِهِ لِلَّهِ وَبِاللَّهِ فَهُوَ حَيَاتُهُ وَعُمُرُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَيْسَ مَحْسُوبًا مِنْ حَيَاتِهِ، وَإِنْ عَاشَ فِيهِ عَاشَ عَيْشَ الْبَهَائِمِ، فَإِذَا قَطَعَ وَقْتَهُ فِي الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ وَالْأَمَانِيِّ الْبَاطِلَةِ، وَكَانَ خَيْرَ مَا قَطَعَهُ بِهِ النَّوْمُ وَالْبِطَالَةُ، فَمَوْتُ هَذَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ حَيَاتِهِ فَهُوَ حَيَاتُهُ وَعُمُرُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَيْسَ مَحْسُوبًا مِنْ حَيَاتِهِ، وَإِنْ عَاشَ فِيهِ عَاشَ عَيْشَ الْبَهَائِمِ، فَإِذَا قَطَعَ وَقْتَهُ فِي الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ وَالْأَمَانِيِّ الْبَاطِلَةِ، وَكَانَ خَيْرَ مَا قَطَعَهُ بِهِ النَّوْمُ وَالْبِطَالَةُ، فَمَوْتُ هَذَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ حَيَاتِهِ"(34).

---

(1) أخرجه الترمذي (3545)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (3510).

(2) التنوير شرح الجامع الصغير للأمير الصنعاني (6/ 259).

(3) أخرجه مسلم(2720)، عن أبي هريرة-رضي الله عنه-.

(4) تفسير ابن كثير(1/ 501).

(5) تفسير السعدي (ص: 465).

(6) أخرجه مسلم (2042).

(7) أخرجه الترمذي(682)، و ابن ماجه(1642)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (1960). بهذا اللفظ وهو في صحيح مسلم مختصرًا(1079).

(8) شرح النووي على مسلم (7/ 188).

(9) تفسير ابن كثير(8/ 441).

(10) تفسير ابن كثير(8/ 444).

(11) أخرجه البخاري(1901).

(12) تفسير ابن كثير(8/ 444).

(13) أخرجه البخاري(1901)، ومسلم(175).

(14) شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 21).

(15) شرح النووي على مسلم (6/ 40).

(16) أخرجه البخاري(1904)، ومسلم(163).

(17) إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض(4/ 110).

(18) أخرجه البخاري(1896)، ومسلم(166).

(19) شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/ 15). و شرح النووي على مسلم (8/ 32).

(20) وانظر دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ لشحاته صقر(1/ 534).

(21) أخرجه البخاري(1923)، ومسلم(1095)، عن أنس -رضي الله عنه-.

(22) إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد(2/ 9).

(23) أخرجه الترمذي(586)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير(6346).

(24) أخرجه البخاري(1863)، ومسلم(222).

(25) أخرجه الترمذي(2910)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح(2137).

(26) وانظر لطائف المعارف لابن رجب (ص: 171).

(27) أخرجه الترمذي(807)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير(6415).

(28) التنوير شرح الجامع الصغير للأمير الصنعاني(10/ 329).

(29) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان(3323)، والطبراني في الدعاء(1313)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير(3030).

(30) أخرجه البخاري(37)، ومسلم(173).

(31) أخرجه الترمذي (806)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير(1615).

(32) تحفة الأحوذي للمباركفوري(3/ 438).

(33) أخرجه ابن خزيمة(1888)، والبزار في مسنده(8116)، والبخاري في الأدب المفرد(644)، وقال الألباني حسن صحيح وانظر صحيح الأدب المفرد (ص: 241).

(34) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم(ص: 156).