مَن تدعو لهم الملائكة؟

مَن تدعو لهم الملائكة؟

 مقدمة: إن من سعادةِ المرءِ في الدنيا والآخرة أن يحبه اللهُ تعالى فيحببه إلى أولياءه فيدعون له بظهر الغيب، وكم من إنسان رُفعت درجاته وكُفِّرتْ عنه سيئاته بدعاء الصالحين له بظهر الغيب، فالعاقل الذي يُقدِّم الخير والإحسانَ للقريب والبعيد لعل أحدَهم يدعو له دعوة فيبلغ بها مراده، ولكن الأعظم من ذلك أن تدعو لك الملائكة المقربون، الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون فدعاؤهم مستجاب لا شك فيه، قال ابن بطال: معلومٌ أن دعاء الملائكة مجابٌ.(1)

وقال ابن جماعة: إذا كان التنافس في دعاء الرجل الصالح، أو من يظن صلاحه؛ فكيف بدعاء الملائكة؟.(2)

 فاحرص أن تكون ممن تدعو له الملائكة، لا ممن تدعو عليه الملائكة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ، هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ).(3)

قال الحافظ ابن حجر: قال ابن أبي جمرة: فيه دليل على قبول دعاء الملائكة من خير أو شر لكونه -صلى الله عليه وسلم- خوَّف بذلك.(4)

كيف تدعو لك الملائكة؟

 فيما يلي بيانٌ لجملةٍ من الأعمال التي تستجلب دعاء الملائكة المكرَّمين عليهم الصلاة والسلام، لتكون نبراسا للسائرين وزادا للمتقين.

1- التوبة الصادقة النصوح

بالتوبة الصادقة والاستقامة على طريق الله تدعو لك الملائكة المقربون، قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر: 7 - 9]

قال ابن عطية: بلغني أن رجلا قال لبعض الصالحين: ادعُ لي واستغفر لي، فقال له: تُب واتبع سبيلَ الله يستغفر لك مَن هو خيرٌ مني، وتلا هذه الآية.(5)

قال مطرف بن عبد الله: وَجَدْنا أنصحَ عبادِ اللهِ لعبادِ اللهِ همُ الملائكةُ، وتلا هذه الآية: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.(6)

وقال يحْيَى بنُ معاذ الرَّازيّ لأصْحابِه في هذه الآيةِ: افْهَمُوها فما فِي العالَمِ جُنَّةٌ أرْجَى منها، إنَّ مَلَكًا واحدًا لوْ سألَ اللَّهَ أنْ يَغْفرَ لِجميعِ الْمؤمنين لغفَرَ لَهم، كيفَ وجميعُ الْملَائكةِ وحملَةُ الْعَرْش يَسْتغْفرون للمُؤْمنين.

وقال خلَفُ بنُ هشام البزاز القاري: كُنتُ أقْرَأُ علَى سُلَيْمِ بن عيسى فلمَّا بلَغْتُ" وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا" بكى ثمَّ قالَ: يا خَلَفُ ما أَكْرَمَ المؤمنَ علَى اللَّهِ نائِمًا علَى فراشهِ والْملائكَةُ يَسْتَغْفرون لهُ.(7)

2- الصدقة من كسب طيب وبنفس طيبة

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا).(8)

قال النووي: قال العلماء هذا في الإنفاق في الطاعات ومكارم الأخلاق وعلى العيال والضيفان والصدقات ونحو ذلك بحيث لا يُذمُّ ولا يُسمى سَرَفا، والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا.(9)

ومعنى: اللهم أعط منفقا خلفا: عوضا عما أنفقه بالبركة في ماله وأهله وعمره وصحته.

ومعنى اللهم أعط ممسكا تلفا: يعني يا الله أتلف مال البخيل وصحته وعمره.

قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]

3- الحرص على الصلاة في الصفوف الأُوَل

 عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصُّفُوفِ الْأُوَلِ).(10) وفي رواية: (الصُّفُوفِ الْمُتَقَدِّمَةِ).(11)

ونقل ابن حجر عن أبي العالية أن معنى الله على عبد، أن يذكره الله ويُثني عليه في الملأ الأعلى؛ وصلاة الملائكة على العبد: الدعاء له وطلب الرحمة والمغفرة.(12)

إن الصلاة في الصف الأول من أقوى البراهين على حُسْن استجابة العبد لربِّه سبحانه وتعالى، ومَن التحَقَ بالصفِّ الأوَّل في الصلاة، كان من الفائزين، وتنعَّم برحمة الله الكريم.

4- وصْلُ الصفوف في الصلاة

وَصْلُ الصفوف في الصلاة من الأعمال اليسيرة جدًّا، وهو عمل يحتاج إلى المثابرة عليه في كل صلاة، وتنبيه المصلِّين على فضله وعظيم أَثَرِه، وفيه ثلاث فضائل جليلة: هي رحمةٌ من الله تعالى، ودعاء الملائكة عليهم الصلاة والسلام، ورِفْعة في الدرجات.

 عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلِّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ، وَمَنْ سَدَّ فُرْجَةً رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرْجَةً).(13)

5- ملازمة المكان الذي صلى فيه في المسجد

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (الْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللهُمَّ ارْحَمْهُ، اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ).(14)

قال ابن بطال: مَن كان كثيرَ الذنوب وأراد أن يحطَّها اللهُ عنه بغير تَعَبٍ فلْيغتَنمْ ملازمةَ مكانِ مُصلاه بعد الصلاة، ليستكثر مِن دعاء الملائكة واستغفارِهم له، فهو مرجوٌ إجابته.(15)

ولذا أخي الكريم فمن تعلَّقَ قلبُه بالمسجد، ومن ثابر على اقتناص الفُرَص في انتظار الصلاة، فقد طرق بابًا عظيمًا من أبواب الرحمة والإحسان من الله المؤمنِ المحسن الرحمنِ الرحيم.

6- تعليمُ الناس الخيرَ

 إن تعليم الناس الخيرَ منهجُ حياةٍ للمسلم، ومَنْ تدبَّر محاسن الدلالة على الخير، وتمسَّك بمعالي الأمور، فقد رزَقَه الله تعالى نهرًا جاريًا من الحسنات، فتدعو المخلوقات له صباحًا ومساءً، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ، وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ، حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا، وَحَتَّى الْحُوتَ، لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ).(16)

7- عيادة المرضى وزيارة الإخوة لوجه الله تعالى

 إذا أردتَ أن تدعو لك الملائكة بطيب العيش في الدنيا وبدخول الجنة فاحرص على زيارة أخيك المسلم مبتغيًا وجه الله، عن عَلِيّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الجَنَّةِ).(17)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلًا).(18)

فمن أحبَّ أن يتبوَّأ من الجنة المنازلَ العظيمة، فَلْيحرِصْ على زيارة الإخوة وعيادة المرضى.

8- الدعاء لأخيه المسلم بظهر الغيب

إذا رغبتَ في أي دعاء يُومِّنُ عليه الملَك، فخص هذا الدعاء لأحد أقاربك أو أصدقائك، والملك الموكل يقول: (آمين، ولك بمثل)، فأكثر من الدعاء لإخوانك بظهر الغيب، فإن الفائدة ستعود إليك.عَنْ صَفْوَانَ بن عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ، فَلَمْ أَجِدْهُ وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ، فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الْحَجَّ الْعَامَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ لَنَا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ: (دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ).(19)

إن من أظهر علامات القلب السليم الدُّعاءَ للمسلمين بظَهْرِ الغيب، والمؤمن يحرص على الدعاء لإخوانه لتفريج الكرب، وإزالة الهموم، وزيادة الرزق، والدعاء لجموع المسلمين والأمة الإسلامية بالخير، والنجاة في الدنيا والآخرة.

9- الحرص على السحور

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلاَ تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ).(20)

ويدخل في فضْل الحديث الشريف من ساهم في إعداد السحور وإيقاظ المتسحِّرين، فالدالُّ على الخير كفاعله كما بشَّرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

10- الدعاء عند سماع صياح الديكة

بأن تدعو الله تعالى وتسأله من فضله حين سماع صوت الديكة،

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا).(21)

قال القاضي عياض: السبب في ذلك رجاء تأمين الملائكة على دعائه واستغفارهم له.(22)

--

(1) شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 439)

(2) تذكرة السامع(ص52) بتصرف

(3) رواه البخاري (3237) ومسلم (1436)

(4) فتح الباري لابن حجر (9/ 295)

(5) تفسير ابن عطية   (4/ 548)

(6) تفسير القرطبي (15/ 295)

(7) تفسير القرطبي (15/ 295)

(8) رواه البخاري (1442) ومسلم (1010)

(9) شرح النووي على مسلم (7/ 95)

(10) رواه أبو داود (664) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 376)

(11) رواه النسائي (2/ 13)

(12) فتح الباري لابن حجر (11/ 155) بتصرف

(13) رواه ابن ماجه (995) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 377)

(14) رواه البخاري (445) ومسلم (649) واللفظ له

(15) شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 95)

(16) رواه الترمذي (2685) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 376)

(17) رواه أبو داود (3098) والترمذي (969) وصححه الألباني  في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 358) وخريف الجنة، ما يجتنى من ثمارها.

(18) رواه الترمذي (2008) وابن ماجه (1443) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1091)

(19) رواه مسلم (2733) 

(20) رواه أحمد (3/ 12) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 686)

(21) رواه البخاري (3303) ومسلم (2729)

(22) فتح الباري لابن حجر (6/ 353)