عدد المحرم 1437هـ
- التفاصيل
- كتب بواسطة: فضيلة الشيخ أحمد سليمان
- المجموعة: عدد المحرم 1437هـ
- الزيارات: 9303
أعظم المهن

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وبعد،
فنستهل كتابنا هذا الموسوم بــ "الواعظ " بالتذكير بأن الوعظ ليس عملا دنيويا كما هو مقرر في نفوس بعض العوام، وأن القائم به دون أهل الرياسة وأصحاب المال وأرذال المفكرين الأقزام، بل هو أسمى الأعمال وأعظم المهن والوظائف والأشغال، كيف لا وقد قام به رب الأرباب واختص به أشرف العباد وجعله ميراث أهل التقوى الأمجاد، فكم من مرة يبين الله لنا في كتابه وعظه للعباد وأنه القائم به لشرف منزلته، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ} [البقرة: آية 231]. وقال: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء: آية 58]. وقال: {يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: آية 90].
ويذكر لنا على لسان أنبيائه قيامهم بهذه الوظيفة السامية
فهود لما وعظ قومه اعترضوا عليه فقالوا: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ} [الشعراء: آية 136].
- التفاصيل
- كتب بواسطة: اللجنة العلمية
- المجموعة: عدد المحرم 1437هـ
- الزيارات: 12825
دروس وعبر من هجرة سيد البشر -صلى الله عليه وسلم-

إنَّ حادث الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة من أعظم الأحداث التي حولت مجرى التاريخ الإسلامي، وغيرت مساره تماماً، فحادث الهجرة بمثابة نقطة فارقة من خلالها قامت الدولة، وصار لها شوكة وقوة واقتصاد، فالهجرة تُعدُّ انتقالاً من مرحلة الاستضعاف والقلة إلى مرحلة العزة والكثرة، كما قال الله عز وجل في معرض الامتنان على نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وعباده المؤمنين: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الأنفال: 26].
- التفاصيل
- كتب بواسطة: اللجنة العلمية
- المجموعة: عدد المحرم 1437هـ
- الزيارات: 10240
حديث إنّ اللهَ طيبٌ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-،: (( أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ )). (1)
أهمية هذا الحديث:
قال النووي: هذا الحديث أحد الأحاديث التي هي قواعد الإسلام ومباني الأحكام. (2)
مباحث الحديث:
قوله (( إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ ))
فيه مسائل:
الأولى: هل الطيب من أسماء الله تعالى أو هو من باب الإطلاق؟
اختلف أهل العلم في عدِّ " الطيب " مِن أسماء الله تعالى، فذكره ابن منده، وابن العربي، والشيخ ابن عثيمين، في تعدادهم لأسماء الله عز وجل، ولم يذكره الأكثرون من العلماء: كسفيان بن عيينة، والخطابي، والحليمي، والبيهقي، وابن حزم، والقرطبي،
وابن القيم، وابن حجر، والسعدي، وغيرهم ممن جمعوا أسماء الله الحسنى. (3)
المسألة الثانية: معنى الطيب
قال القاضي عياض -رحمه الله-: الطيب في صفة الله تعالى بمعنى المنزه عن النقائص وهو
بمعنى القدوس وأصل الطيب الزكاة والطهارة والسلامة من الخبث. (4)
وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُقَدَّسٌ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ كُلِّهَا، وَهَذَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} (النُّورِ: 26)، وَالْمُرَادُ: الْمُنَزَّهُونَ مِنْ أَدْنَاسِ الْفَوَاحِشِ وَأَوْضَارِهَا. (5)
فالله سبحانه وتعالى لا يلحقه شيءٌ من العيب والنقص. فهو عزّ وجل طيب في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته، وفي أحكامه، وفي أفعاله، وفي كل ما يصدر منه، وليس فيها رديء بأي وجه. (6)
قوله (( لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ))
الْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنَ الصَّدَقَاتِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا حَلَالًا.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ((لَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا)) أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا طَاهِرًا مِنَ الْمُفْسِدَاتِ كُلِّهَا، كَالرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ، وَلَا مِنَ الْأَمْوَالِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا حَلَالًا، فَإِنَّ الطَّيِّبَ يُوصَفُ بِهِ الْأَعْمَالُ وَالْأَقْوَالُ وَالِاعْتِقَادَاتُ، فَكُلُّ هَذِهِ تَنْقَسِمُ إِلَى طِيِّبٍ وَخَبِيثٍ. (7)
- فهو سبحانه وتعالى، لا يقبل إلا الطيب من الأقوال، فقد قال تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]
وضرب مثلاً للكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة، فقال تعالى{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24]
- ولا يقبل سبحانه إلا الطيب من الأعمال، والطّيب من الأعمال: ما كان خالصاً لله، موافقاً للشريعة.
كما قال تعالى{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]
وكل عمل لم يستند إلى الشرع فهو رديء مردودٌ عند الله عزّ وجل، لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا الطيب.
- ولا يقبل إلا الطيب من الأموال، والطيب من الأموال: ما اكتسب عن طريق حلال، وأما ما اكتسب عن طريق محرّم فإنه خبيث. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ)). (8)
- ولا يقبل من الناس إلا الطيبين وهم أهل الإيمان الذين طيبوا باطنهم بالإيمان وظاهرهم بالأعمال الصالحة.
وقد وصف الله سبحانه المؤمنين بالطيب، قال تعالى { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] ويقال لهم عند دخول الجنة { سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73]
فَالْمُؤْمِنُ كُلُّهُ طَيِّبٌ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ وَجَسَدُهُ بِمَا سَكَنَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَظَهَرَ عَلَى لِسَانِهِ مِنَ الذِّكْرِ، وَعَلَى جَوَارِحِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي هِيَ ثَمَرَةُ الْإِيمَانِ، وَدَاخِلَةٌ فِي اسْمِهِ فَهَذِهِ الطَّيِّبَاتُ كُلُّهَا يَقْبَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْصُلُ بِهِ طِيبَةُ الْأَعْمَالِ لِلْمُؤْمِنِ طِيبُ مَطْعَمِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ حَلَالٍ، فَبِذَلِكَ يَزْكُو عَمَلُهُ. (9)
- وفيه الحث على الإنفاق من الحلال والنهي عن الإنفاق من غيره وفيه أن المشروب والمأكول والملبوس ونحو ذلك ينبغي أن يكون حلالا خالصا لا شبهة فيه وأن من أراد الدعاء كان أولى بالاعتناء بذلك من غيره. (10)
- وفيه أن العبد إذا أنفق نفقة طيبة فهي التي تزكو وتنمو وأن الطعام اللذيذ غير المباح يكون وبالاً على آكله ولا يقبل الله عمله. (11)
وقوله ))وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]
فيه فوائد:
1- أن الأصل استواء الأنبياء مع أممهم في الأحكام الشرعية، إلا ما قام الدليل على أنه مختص بهم. (12)
2- تَعظيم ورفعة لشأن المؤمنين، وأنهم أهلٌ أن يوجّه إليهم ما أمر به الرسل. (13)
3- استعمال ما يشجع على العمل، فإذا علم المؤمن أن هذا من مأمورات المرسلين فإنه يتقوَّى ويتشجّع على الامتثال.
4- وفيه ذم من امتنع عن الطيبات بدون سبب شرعي لأمر الله تعالى لأنبيائه وأوليائه بالأكل من الطيبات. (14)
ومما يدل على هذا المعنى حديث أَنَس بْن مَالِكٍ -رضي الله عنه-، قال: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ((أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)). (15)
5- يجب شكر نعم الله عزّ وجل بالعمل الصالح لقوله تعالى: (كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً) وفي المؤمنين قال: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّه).
وَقَوْلُهُ: ((ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟! )).
فيه من الفوائد:
- التحري في المأكل والمشرب والملبس لأنّ ذلك له تأثير بالغ في قبول الأعمال وردها وخاصة الدعاء.
قال يحيى بن معاذ الرازي -رحمه الله-: الطاعةُ خزانةٌ مِنْ خزائنِ اللهِ، إلا أنَّ مفتاحَها الدعاءُ وأسنانَه لقمُ الحلالِ. (16)
وقد ورد عن سلفنا الصالح رحمهم الله، ما يدل على حرصهم على تلك المعاني السامية
قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: كُنَّا نَدع تِسْعَة أعشار الْحَلَال مَخَافَة الْوُقُوع فِي الْحَرَام. (17)
وعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ -رحمه الله-، قَالَ: لَا يَكُونُ الرَّجُلُ تَقِيًّا حَتَّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ مُحَاسَبَةَ شَرِيكِهِ، وَحَتَّى يَعْلَمَ مِنْ أَيْنَ مَلْبَسُهُ وَمَطْعَمُهُ وَمَشْرَبُهُ. (18)
وقال وُهيب بن الورد -رحمه الله-: لو قمتَ مقامَ هذه الساريةِ لم ينفَعْكَ شيءٌ حتى تنظرَ ما يَدخلُ بطنَك حلالٌ أو حرامٌ. (19)
قَالَ عبد الله بن الْمُبَارك -رحمه الله-: لِأَن أرُدَّ دِرهماً من شُبْهَةٍ، أحبُّ إِلَيّ من أَن أَتصدق بِمِائَة ألف وَمِائَة. (20)
- إثبات علو الله بدليل قوله (( يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ))
وهو ينقسم إلى قسمين:
الأول: علو صفة: وهذا متفق عليه بين جميع أهل القبلة، فصفات الله كلها عليا وحسنى.
الثاني: علو ذات. وهذا متفق عليه عند أهل السنة، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع.
- ذكرُ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَقْتَضِي إِجَابَةَ الدُّعَاءِ:
الدعاء روضة القلب، وأنس الروح؛ فهو صلة بين العبد وربه، يستجلب به الرحمة، ومن عظيم شأنه، وعلو مكانه، أن جعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أصل العبادة ولبها، وإذا كان للدعاء هذه المكانة العظيمة؛ فإنّه ينبغي على العبد أن يأتي بالأسباب التي تجعله مقبولا عند الله تعالى، ومن جملة تلك الأسباب:
أَحَدُهَا: إِطَالَةُ السَّفَرِ
وَالسَّفَرُ بِمُجَرَّدِهِ يَقْتَضِي إِجَابَةَ الدُّعَاءِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ: ((ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ)). (21)
وَالثَّانِي: حُصُولُ التَّبَذُّلِ فِي اللِّبَاسِ وَالْهَيْئَةِ بِالشَّعَثِ وَالِاغْبِرَارِ
وَهُوَ - أَيْضًا - مِنَ الْمُقْتَضِيَاتِ لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وكلما كان العبد أخشع كان دعاؤه أسمع، كَمَا فِي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((رُبَّ أَشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ)). (22)
- وَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِلِاسْتِسْقَاءِ، خَرَجَ مُتَبَذِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا. (23)
الثَّالِثُ: مَدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ
وَهُوَ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ الَّتِي يُرْجَى بِسَبَبِهَا إِجَابَتُهُ، وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ الفارسي -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا)). (24)
وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ حَتَّى يَرَى بَيَاضَ إِبِطَيْهِ. (25)
وَالرَّابِعُ: الْإِلْحَاحُ عَلَى اللَّهِ بِتَكْرِيرِ ذِكْرِ رُبُوبِيَّتِهِ
وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُطْلَبُ بِهِ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ،. . . . . . . وَمَنْ تَأَمَّلَ الْأَدْعِيَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقُرْآنِ وَجَدَهَا غَالِبًا تُفْتَتَحُ بِاسْمِ الرَّبِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (الْبَقَرَةِ: 201)، {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (الْبَقَرَةِ: 286)، وَقَوْلِهِ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} (آلِ عِمْرَانَ: 8). وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ. (26)
وَقَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: " ((فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ))
مَعْنَاهُ: كَيْفَ يُسْتَجَابُ لَهُ؟ فَهُوَ اسْتِفْهَامٌ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ وَالِاسْتِبْعَادِ، وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي اسْتِحَالَةِ الِاسْتِجَابَةِ، وَمَنْعِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ التَّوَسُّعَ فِي الْحَرَامِ وَالتَّغَذِّيَ بِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَوَانِعِ الْإِجَابَةِ
وَلِهَذَا لَمَّا تَوَسَّلَ الَّذِينَ دَخَلُوا الْغَارَ، وَانْطَبَقَتِ الصَّخْرَةُ عَلَيْهِمْ بِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ الَّتِي أَخْلَصُوا فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَدَعَوُا اللَّهَ بِهَا، أُجِيبَتْ دَعْوَتُهُمْ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَا تَسْتَبْطِئِ الْإِجَابَةَ، وَقَدْ سَدَّدْتَ طُرُقَهَا بِالْمَعَاصِي، وَأَخَذَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ:
نَحْنُ نَدْعُو الْإِلَهَ فِي كُلِّ كَرْبٍ. . . ثُمَّ نَنْسَاهُ عِنْدَ كَشْفِ الْكُرُوبِ
كَيْفَ نَرْجُو إِجَابَةً لِدُعَاءٍ. . . قَدْ سَدَدْنَا طَرِيقَهَا بِالذُّنُوبِ(27)
- موانع إجابة الدعاء:
1ـ تعاطي الحرام والتوسع فيه من الطعام والشراب واللباس. وقد دل على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-، ((فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ)).
2ـ الاستعجال في طلب الإجابة. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (( يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي )). (28)
3ـ الدعاء بالإثم أو القطيعة. كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّهُ قَالَ: ((لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ )). (29)
4ـ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ -رضي الله عنهما-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ)). (30)
5- الاعتداء في الدعاء قال سبحانه{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]
6- الإشراك بالله في الدعاء، ودعاؤه بأدعية مبتدعة محدثة ليس لها أصل في الشرع مخالفة للسنة. فإن الدعاء يحبط بالشرك وإن الله لا يقبل عملا على غير وفق ما شرعه لعباده. فعن عَائِشَةُ -رضي الله عنها-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)). (31)
وأخيراً: فما أحوجنا إلى أن نقف مع أنفسنا وقفةً حازمة، نتحرّى فيها ما نأكله من طعام، أو نلبسه من لباس، حتى يكون الدعاء مقبولا عند الله، نسأل الله تعالى أن يغنينا بحلاله عن حرامه، وبطاعته عن معصيته، وبه عمّن سواه.
والحمد لله رب العالمين
-----
(1) رواه مسلم (1015)
(2) شرح النووي على مسلم (7/ 100)
(3) موقع الإسلام سؤال وجواب (1/ 720)
(4) شرح النووي على مسلم (7/ 100)
(5) جامع العلوم والحكم (1/ 259)
(6) شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 141)
(7) جامع العلوم والحكم (1/ 259)
(8) رواه البخاري (1410) ومسلم (1014)
(9) جامع العلوم والحكم (1/ 260)
(10) شرح النووي على مسلم (7/ 100)
(11) شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (ص: 59)
(12) التحفة الربانية (ص: 28)
(13) شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 142)
(14) شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 147)
(15) رواه البخاري (5063) ومسلم (1401)
(16) إحياء علوم الدين (2/ 91)
(17) إحياء علوم الدين (2/ 95)
(18) الزهد لوكيع (ص: 501)
(19) صفة الصفوة (1/ 422)
(20) الكبائر للذهبي (ص: 119)
(21) رواه أَبُو دَاوُدَ (1536) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 582)
(22) رواه مسلم (2622)
(23) رواه أبو داود (1165) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (4/ 329)
(24) رواه أبو داود (1488) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 362)
(25) رواه أبو داود (1170) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4/ 334) من حديث أنس رضي الله عنه.
(26) جامع العلوم والحكم (1/ 269- 274)
(27) جامع العلوم والحكم (1/ 277)
(28) رواه البخاري (6340) ومسلم (2735)
(29) رواه مسلم (2735)
(30) رواه الترمذي (2169) وحسنه الألباني في صحيح الجامع(2/ 1189)
(31) رواه مسلم (1718)
- التفاصيل
- كتب بواسطة: اللجنة العلمية
- المجموعة: عدد المحرم 1437هـ
- الزيارات: 12053
المواســـــــاة
المواساة: تدلّ على المداواة والإصلاح؛ يقال: أسوت الجرح إذا داويته، ولذلك يسمّى الطّبيب الآسي. ويقال: آساه بماله: أناله منه وجعله فيه أسوة(1).
أنواع المواساة: قال ابن القيّم -رحمه الله-: الْمُوَاسَاة لِلْمُؤمنِ أَنْوَاع؛ مواساة بِالْمَالِ ومواساة الجاه ومواساة بِالْبدنِ والخدمة ومواساة بِالنَّصِيحَةِ والإرشاد ومواساة بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَار لَهُم ومواساة بالتوجع لَهُم وعلى قدر الْإِيمَان تكون هَذِه الْمُوَاسَاة فَكلما ضعف الْإِيمَان ضعفت الْمُوَاسَاة وَكلما قوي قويت وَكَانَ رَسُول الله-صلى الله عليه وسلم- أعظم النَّاس مواساة لأَصْحَابه بذلك كُله فلأتباعه من الْمُوَاسَاة بِحَسب اتّباعهم لَهُ. (2)
فأما المواساة بالمال وإطعام الطعام فهي مقصودنا الآن؛ لأن الطعام حاجة من حاجات الإنسان الأساسية في هذه الحياة وقد جعل الله تعالى في الشريعة كثيرًا من الأمور التي تتعلق بإطعام الطعام فعلى سبيل المثال في كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين وفي الكفارة المغلظة إطعام ستين مسكينًا وفي مخالفات الإحرام إطعام ستة مساكين وفي هدي التمتع والقران ذبح أو نحر يطعم منه المساكين والفقراء وهذا فضلًا عن الزكاة المفروضة التي قال فيها ابن القيم -رحمه الله-: فَاقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنْ جَعَلَ فِي الْأَمْوَالِ قَدْرًا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ، وَلَا يُجْحِفُ بِهَا، وَيَكْفِي الْمَسَاكِينَ، وَلَا يَحْتَاجُونَ مَعَهُ إِلَى شَيْءٍ، فَفَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ مَا يَكْفِي الْفُقَرَاءَ، فَوَقَعَ الظُّلْمُ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، الْغَنِيُّ يَمْنَعُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَالْآخِذُ يَأْخُذُ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ، فَتَوَلَّدَ مِنْ بَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَفَاقَةٌ شَدِيدَةٌ أَوْجَبَتْ لَهُمْ أَنْوَاعَ الْحِيَلِ وَالْإِلْحَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ تَوَلَّى قَسْمَ الصَّدَقَةِ بِنَفْسِهِ وَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، يَجْمَعُهَا صِنْفَانِ مِنَ النَّاسِ.
أَحَدُهُمَا: مَنْ يَأْخُذُ لِحَاجَةٍ فَيَأْخُذُ بِحَسَبِ شِدَّةِ الْحَاجَةِ وَضَعْفِهَا وَكَثْرَتِهَا وَقِلَّتِهَا، وَهُمُ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، وَفِي الرِّقَابِ، وَابْنِ السَّبِيلِ.
وَالثَّانِي: مَنْ يَأْخُذُ لِمَنْفَعَتِهِ وَهُمُ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا، وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ، وَالْغَارِمُونَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَالْغُزَاةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْآخِذُ مُحْتَاجًا، وَلَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا سَهْمَ لَهُ فِي الزَّكَاةِ. . . .(3).
ونبدأ بذكر فضل المواساة بالمال عموما وبالطعام خصوصًا.
- إطعام الطعام من صفات الأبرار الذين يدخلون الجنة
قال الله: {إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا (9)}
وهو سبب من أعظم أسباب دخول الجنة؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ )) قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: ((فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ )) قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: ((فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟ )) قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: ((فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ )) قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ))(4) وفي لفظ: مَا اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ فِي رَجُلٍ فِي يَوْمٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-المَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلَامٍ))(5).
فيا من تخطب الجنة أين انت من مواساة المسلمين بالطعام وذلك من أول أرحامك إلى أقصى بقاع الأرض المسلمون يموتون جوعًا وفقرًا فضلًا عن موتهم قتلًا وحرقًا بالنار فإلى الله المشتكى فهل نواسيهم ولو بالتوجع لهم أو الدعاء إذا عجزنا عن إيصال الغذاء لهم. . . يا طلاب الجنة؛ اعلموا أن جزءًا كبيرًا من مهر من خطبتم يحصل بإطعام الطعام فابحثوا عن المحتاجين والجائعين وأطعموهم.
أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإطعام الجائع؛ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: " فُكُّوا العَانِيَ، يَعْنِي: الأَسِيرَ، وَأَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ (6)"
فقَوْلُهُ أَطْعِمُوا الْجَائِعَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْأَمْرُ هُنَا لِلنَّدَبِ وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ (7).
بيان النبي -صلى الله عليه وسلم- أن البركة تنزل مع المواساة والاجتماع على الطعام؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاَثَةِ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِي الأَرْبَعَةِ)) (8)
وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ((طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ وَطَعَامُ الْأَرْبَعَةِ يَكْفِي الثَّمَانِيَةَ))
قال ابن بطال: يريد أنه ما أشبع اثنين يكفى ثلاثة رجال وما يشبع منه ثلاثة يكفى أربعة والكفاية ليست بالشبع كما أنها ليست بالغنى والإكثار، ، ألا ترى قول أبى حازم: ابن آدم إذا كان ما يكفيك لا يغنيك فليس شيء يغنيك. . . قال المهلب: والمراد بهذه الأحاديث الحض على المكارمة في الأكل والمواساة والإيثار على النفس الذى مدح الله به أصحاب نبيه، فقال: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة (ولا يراد بها معنى التساوي في الأكل والتشاح. . . وقد هم عمر بن الخطاب فى سنة مجاعة أن يجعل مع كل أهل بيت مثلهم وقال: لن يهلك أحد عن نصف قوته(9).
وقال النووي: هَذَا فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْمُوَاسَاةِ فِي الطَّعَامِ وَأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا حَصَلَتْ مِنْهُ الْكِفَايَةُ الْمَقْصُودَةُ وَوَقَعَتْ فِيهِ بَرَكَةٌ تَعُمُّ الْحَاضِرِينَ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ(10)
ومن المواساة ان يسعى المسلم ببدنه وجاهه لقضاء حاجة أخيه المسلم
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَالِمًا، أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ))(11)
يعني أنك إذا كنت في حاجة أخيك تقضيها وتساعده عليها؛ فإن الله تعالى يساعدك في حاجتك ويعينك عليها جزاءً وفاقاً؛ ويُفهم من ذلك أن الإنسان إذا ظلم أخاه؛ فإن أخوته ناقصة، وإذا أسلمه إلى من يظلمه؛ فإن أخوته ناقصة، وإذا لم يكن في حاجته، فإن هذا يفوته الخير العظيم، وهو كون الله تعالى في حاجته(12).
حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على المواساة بالأرض؛ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ، فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ))(13)
وأظهر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن العبد يجد ثواب المواساة عند الله في يوم يحتاج إليه؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي "(14)
وأمر بصنع الطعام لأهل الميت مواساة لهم؛ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - -صلى الله عليه وسلم--: "اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا، فَقَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ" أَو "أَمْرٌ يَشْغَلُهُمْ"(15)
وهذه تعزية عملية مع القولية لا كلفة فيها على أهل الميت وإنما هي مساعد وتقوية لهم علة ما نزل بهم.
حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على المواساة بإعارة الشاة فما دونها عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ العَنْزِ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا، وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الجَنَّةَ))(16)
(مَنِيحَةُ الْعَنْزِ) خَبَرُ الثَّانِي وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْأَوَّلِ وَالْعَنْزُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ النُّونِ الْأُنْثَى مِنَ الْمَعْزِ أَيْ عَطِيَّةُ شَاةٍ يُنْتَفَعُ بِلَبَنِهَا وَصُوفِهَا وَيُعِيدُهَا(17)
صور مشرقة في المواساة؛
1- لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة؛
عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ زَاهِرٍ أَبَا رُوَاعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ يَخْطُبُ، فَقَالَ: إِنَّا وَاللهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَإِنَّ نَاسًا يُعْلِّمُونِي بِهِ، عَسَى أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدُهُمْ رَآهُ قَطُّ (18).
2- ولنا في أصحابه أسوة حسنة؛ فقد أثنى النبي -صلى الله عليه وسلم- على أبي بكر بمواساته له بماله وفضله على غيره؛ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ)) فَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: ((يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ)) ثَلاَثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لاَ، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي)) مَرَّتَيْنِ، فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا(19)
3-وكذلك الأنصار في مواساتهم للمهاجرين؛ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- المَدِينَةَ أَتَاهُ المُهَاجِرُونَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ وَلَا أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَقَدْ كَفَوْنَا المُؤْنَةَ وَأَشْرَكُونَا فِي المَهْنَإِ حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالأَجْرِ كُلِّهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((لَا مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ))(20).
4- وما أروع ما أثنى النبي -صلى الله عليه وسلم- على خديجة -رضي الله عنها- بعد موتها بسبب المواساة؛ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا، قَالَ: " مَا أَبْدَلَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ "(21)
5- وأما الأشعريون فقال عنهم النبي -صلى الله عليه وسلم- هم مني وأنا منهم فلماذا قال ذلك؟ لقد لقد قال ذلك لأنهم يزاسي بعضهم بعضًا في الشدة فذلك من أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ))(22)
قال ابن عثيمين: وهذا الحديث أصلُ في الجمعيات التعاونية التي يفعلها بعض الناس اليوم، تجتمع القبيلة على أن يضعوا صندوقاً يجمعون فيه ما يريد الله عز وجلّ من المال؛ إما بالنسبة وإما بالاجتهاد والترشيح، فيكون مثلاً على كل واحد منهم أن يدفع اثنين في المائة من راتبه أو من كسبه أو ما أشبه ذلك، ويكون هذا الصندوق معداً للحوائج والنكبات التي تحصل على واحد منهم.
6- وهذه صورة رائعة ابتدأها الأنصار وكافأهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فواساهم بالدعاء والاستغفار؛ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَأَعْطَى قُرَيْشًا: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ العَجَبُ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَدَعَا الأَنْصَارَ، قَالَ: فَقَالَ: ((مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ))، وَكَانُوا لاَ يَكْذِبُونَ، فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ، قَالَ: ((أَوَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ))(23)
وهذه صورة من صور المواساة بالزاد والظهر أمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ، فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ))، قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ(24).
قال ابن عثيمين-رحمه الله-: يعني أن الإنسان يبذل كل ما عنده حتى لا يبقى معه فضل، يعني من الطعام والشراب والرحل وغير ذلك، وهذا كله من باب الإيثار. (25)
والحمد لله رب العالمين.
---
(1) تهذيب اللغة للأزهرى (13/ 138- 139). ولسان العرب (8/ 4840). والصحاح (6/ 2524). وتاج العروس (10/ 390- 391) ومقاييس اللغة (1/ 107)، المفردات (18).
(2) الفوائد لابن القيم (ص: 171).
(3) زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 8).
(4) صحيح مسلم (2/ 713)ح ((1028).
(5) سنن الترمذي ت شاكر (4/ 652) ح (2485) وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
(6) صحيح البخاري (4/ 68)(3046).
(7) فتح الباري لابن حجر (9/ 519)
(8) صحيح البخاري (7/ 71)(5392).
(9) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 471).
(10) شرح النووي على مسلم (14/ 23).
(11) صحيح البخاري (9/ 22)(6951).
(12) شرح رياض الصالحين (2/ 567).
(13) صحيح البخاري (3/ 107)(2340)
(14) صحيح مسلم (4/ 1990)ح ( (2569).
(15) سنن أبي داود (ص: 5)(3132) وحسنه الألباني.
(16) صحيح البخاري (3/ 166)(2631).
(17) عون المعبود وحاشية ابن القيم (5/ 67)
(18) مسند أحمد ط الرسالة (1/ 532) ح (504) وحسنه الأرنؤط. .
(19) صحيح البخاري (5/ 5)(3661).
(20) سنن الترمذي ت شاكر (4/ 653)(2487) وقال «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ» وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
(21) مسند أحمد ط الرسالة (41/ 356)(24864) وقال الشيخ شعيب: حديث صحيح.
(22) صحيح البخاري (3/ 138)(2486)
(23) صحيح البخاري (5/ 30)(3778)
(24) صحيح مسلم (3/ 1354)(1728).
(25) شرح رياض الصالحين (3/ 424).
- التفاصيل
- كتب بواسطة: اللجنة العلمية
- المجموعة: عدد المحرم 1437هـ
- الزيارات: 22771
نعمة الصحة وكيفية الحفاظ عليها
مما لا شك فيه أن الشريعة الإسلامية جمعت أصول الطب كلها، ففي القرآن والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام بيان كثير من الأمراض النفسية والجسمية، وبيان علاجها المادي والروحي، قال الله تعالى{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82].
وجمع الله تبارك وتعالى الطب النفسي وعلاجه كله في آية واحدة هي قوله تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28]. (1)
وَلَمَّا كَانَتِ الصِّحَّةُ وَالْعَافِيَةُ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى عَبْدِهِ، وَأَجْزَلِ عَطَايَاهُ، وَأَوْفَرِ مِنَحِهِ، بَلِ الْعَافِيَةُ أَجَلُّ النِّعَمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَحَقِيقٌ لِمَنْ رُزِقَ حَظًّا مِنَ التَّوْفِيقِ مُرَاعَاتُهَا وَحِمَايَتُهَا عَمَّا ُضَادُّهَا. (2)
ولا يماري أحد من العقلاء بأن الصحة نعمة من الله تعالى على عباده وأن الواجب شرعا المحافظة عليها من أي أذى. ولهذا شرع الله التداوي من الأمراض والأوبئة. (3)
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: " مَا أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ دَاءً، إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ ". (4)
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: " تَدَاوَوْا عِبَادَ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ
عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنَزِّلْ دَاءً، إِلَّا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً، إِلَّا الْمَوْتَ، وَالْهَرَمَ". (5)
نعم الله كثيرة لا تعد ولا تحصى
يقال شيئان لا يعرف فضلهما إلا من فقدهما "الشباب والعافية"، وقيل: "لا يعرف طعم العافية إلا من نالته يد العلة ولا طعم الرخاء من مسته يد البلاء"، وقيل: "الدنيا بحذافيرها الأمن والعافية لا تزال غنيا ما دمت سويا". (6)
أيها الصحيح إذا أردت أن تعرف قدر الصحة والعافية فأكثر من زيارة المرضى في المنازل والمستشفيات وقيل: "إن الصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يعرفها إلا المرضى"، كم من مريض يتمنى أن يخطو بقدميه ليصلي مع الجماعة ويصل أرحامه ويزور إخوانه ولكنه لا يستطيع، كم من مريض انقطع عن الناس فهو لا يسمع ولا ينطق يتمنى سماع القرآن وترتيله، ولكنه لا يستطيع.
كم من مريض كف بصره، فهو يتمنى أن يرى مخلوقات الله وآياته، وكم من مريض يتمنى أن يأكل الطعام ويشرب الشراب ولكنه لا يستطيع، وكم من مريض لا تسكن أوجاعه، ولا يرتاح في منامه وغيرهم كثير.
أيها الصحيح هل نسيت هؤلاء فاتق الله في صحتك وعافيتك واشكر الله على نعمة القدمين واستخدمها في الذهاب للمساجد ولكل خير، واشكر الله على نعمة اللسان وأكثر فيه من تلاوة القرآن. (7)
اعتلّ الفضل بن سهل-رحمه الله- بخراسان ثم برأ فجلس للناس، فهنأوه بالعافية وتصرّفوا في فنون الكلام، فلما فرغوا، أقبل على الناس، فقال: "إنّ في العلل نعما ينبغي للعاقل أن يعرفها: تمحيص الذنب والتعرّض للثواب، والإيقاظ من الغفلة والتذكير بالنعمة في حال الصحة، والاستدعاء للتوبة والحضّ على الصدقة. وفي قضاء الله وقدره الخيار". (8)
حث النبي -صلى الله عليه وسلم- على عدم تضيع الصحة
أيها المسلمون، إنه إذا كان تتابعُ النعم، وترادُف المِنَنِ، وتعاقُب الآلاء، فَيْضًا من الربّ الكريم لا يَغِيض، وغَيْثًا مِدْرَارًا لا ينقطع، كما قال عز من قائل: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]. فكم ممن مَتّعه الله بسمعه وبصره وقوته، وحفظ عليه نُضْرَة الشباب ورَوْنَقَه وبهاءه، مَغْبُونٌ في صحته حين لا يستعملها فيما يبلّغه رضوان ربه الأعلى ونزول دار كرامته، وحين لا يستثمرها في كل ما يسعد به في دنياه وآخرته، وحين ينسى أن آفة النعم الزوال؟ فكم من صحيح لا يشكو من عِلّة في نفسه أو جسمه نزل به السَّقَامُ، ووَهَنْتُه الأمراضُ، وأقضّت مضجعَه العِللُ فسعت به إلى شيخوخة مبكّرة، وعِلّة مُسْتَحْكِمة، أو داءٍ حائل بينه وبين ما يشتهي من متع الحياة الأثيرة لديه، المُذَلّلة المبذولة بين يديه، فإن كان ممن أبلى شبابه، وأفنى عمره، واستنفد قوته فيما يحرم من الشهوات والنزوات، وما يُحَقَّر من الأعمال وما يُستقبَح من الغايات، ولم يبتغ إلى ربه الوسيلة بما يرضيه، ولم يدّخر عنده من الرصيد ما يسعد به حين يلقاه؛ غُبِنَ هنالك غَبْنًا أورثه حسرة، وأعقبه ندامة؛ لتفويته الفرصة، وإضاعته المَغْنَم، وتَبْدِيده الأرباح. (9)
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ". (10)
يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ ". (11)
لماذا كان مغبونًا؟ لأنه لم يستفد من صحته وفراغه بما يقربه إلى الله والدار الآخرة.
أيها الصحيح: هذه الصحة والعافية سوف تسأل عنها يوم القيامة، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ". (12)، فاجعل هذه الصحة عونًا لك على طاعة الله.
سبل المحافظة على الصحة
لقد كرم الله عز وجل بني الإنسان على كثير من مخلوقاته، فقال تعالى{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ َحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70].
ولقد وضعت الشريعة الإسلامية الضوابط والوسائل التي يحمي بها الإنسان صحته من كافة الأخطار والأضرار والأمراض التي قد تحدث له وهذه بعض هذه الوسائل:
1- النظافة من أهم الأسباب التي تحفظ الإنسان من الأمراض، لأن الأمراض أكثر ما تنتشر بين الناس بسبب الأوساخ والأقذار، وقد شرع لنا الإسلام الوضوء خمس مرات، والغسل من الجنابة وغيره، وسن لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- خصال الفطرة وهي " الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الآباط".
فتنظيف الجسم، وهذه الأعضاء التي تتعرض للوسخ كثيراً عدة مرات كل يوم يجعل الجسم حصيناً من الأمراض.
2- فرض الحجر الصحي في حالات الأمراض المعدية، وذلك مبالغة في حماية الصحة العامة فعَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا مِنْهَا". (13)
وقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم- أيضاً على اجتناب المصابين بالأمراض المعدية فقال: "لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ". (14)
3- من القواعد الصحية السديدة التي وضعها الإسلام أيضاً قاعدة الاعتدال وعدم الإسراف، ففيما يتعلق بتناول الطعام قال تبارك وتعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [الأعراف: 31]، عَنْ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ. بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ
أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ". (15)
وقال النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ المُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ، وَالكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ". (16) فالاعتدال في الطعام والشراب طريق من الطرق الموصلة إلى سلامة الإنسان من الأسقام.
وقد وصف الله ذوي الشراهة في التهام الأطعمة بأنهم يأكلون كما تأكل الأنعام، فقال تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد: 12].
وهذا وصف أراد الله تعالى به أن يذكر الناس بمصير من يأكل كما تأكل الأنعام وهو الغباء والغفلة والحرمان من فهم حقيقة الحياة.
4- إعطاء الجسم حقه في النوم، وعدم الاجهاد والسهر، وممارسة الرياضة والمواظبة عليها، لتنشيط الجسم، وكلٌ حسب قدرته وعمره.
5- كذلك من وسائل الحفاظ على الصحة غسل الإناء إذا شرب الكلب فيه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رضي الله عنه-، قَالَ: قال رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا شَرِبَ الكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا". (17)
وفي لفظ "وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ"، وذلك لما ينقله لعاب الكلب من الأمراض. (18)
6- الابتعاد عن الغضب والمشادّات والهم والغم والحزن وترويض النفس على الحلم والتحمل والصبر واحتساب الأجر وتقبل ما ينتج عن كبر السن صحيًا بنفس راضية بقدر الله. (19)
7- حسن التعامل مع الجميع والتحلي بالأخلاق الفاضلة والبشاشة وسلامة الصدر ومحبة خدمة الآخرين.
6- الابتعاد عن خطر المخدرات والمسكرات والتدخين
ولأهمية هذا العنصر سنفرد الكلام عنه.
وقفة مع أضرار المخدرات والمسكرات
أيها المسلمون: إن للمسكرات والمخدرات مضاراً كثيرة، أثبتها الطب العصري، وأكدتها تجارب المجتمعات، وذكروا فيها أكثر من مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن الحشيشة حرام يحد متناولها كما يحد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج، حتى يصير في الرجل تخنث ودياثه وغير ذلك من الفساد، وإنها تصد عن ذكر الله". (20)
ومن أعظم مضار المسكرات والمخدرات: أنها تفسد العقل والمزاج، وما قيمة المرء إذا فسد عقله ومزاجه؟! يتعاطى المسكرات والمخدرات، فيرتكب من الآثام والخطايا ما تضج منه الأرجاء، وما يندم عليه حين يصحو، ولات ساعة مندم!
ولقد روى القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: أن أحد السكارى جعل يبول ويأخذ بوله بيديه ويغسل به وجهه وهو يقول: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين". (21)
وقال الضحاك بن مزاحم-رحمه الله- لبعض أصحابه: "مالك ولشرب النبيذ؟ قال: يهضم طعامي، قال: والله لما يهضم من عقلك ودينك أكثر". (22)
وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "لو كان العقل يشترى لتغالى الناس في ثمنه، فالعجب ممن يشتري بماله ما يفسده". (23)
أيها الناس: في بلاد المسلمين كثرت حوادث المخدرات من مروجين ومدمنين، وكثرت الجرائم بتعاطيها، وأصبحت مكافحة المخدرات قضية تشغل الحكومات المختلفة، وكل هذا يتم في غياب وازع الإيمان والدين والتقوى، فاتقوا الله أيها المسلمون، واتقوا المسكرات والمخدرات، واتقوا الخمر فإنها أم الخبائث.
وعن عُثْمَانَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: " اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ، فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ، فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ، حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ، فَقَالَتْ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا، أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ، قَالَ: فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا، فَسَقَتْهُ كَأْسًا، قَالَ: زِيدُونِي فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ النَّفْسَ، فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ، وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلَّا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ". (24)
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90-91].
عقوبات شارب الخمر
العقوبة الدنيوية
لقد وضعت الشريعة الإسلامية عقوبة لشارب الخمر فهناك عقوبة دنيوية وهي أن يجلد ثمانين جلدة، ويحد شاربها وإن لم يسكر، سواءً أشرب الكثير أم القليل بإجماع الصحابة رضوان الله عليهم، وإذا تكرر من الشارب الشرب وهو يعاقب ولا يرتدع، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وَأَمَّا حَدُّ الشُّرْبِ: فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ رَوَى أَهْلُ السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ وُجُوهٍ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إنْ شَرِبَ الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُ" وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ جَلَدَ الشَّارِبَ غَيْرَ مَرَّةٍ هُوَ وَخُلَفَاؤُهُ وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ. وَالْقَتْلُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مَنْسُوخٌ. وَقِيلَ: هُوَ مُحْكَمٌ. يُقَالُ: هُوَ تَعْزِيرٌ يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَقَدْ ثَبَتَ "عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ أَرْبَعِينَ. وَضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- أَرْبَعِينَ وَضَرَبَ عُمَرُ -رضي الله عنه- فِي خِلَافَتِهِ ثَمَانِينَ. وَكَانَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- يَضْرِبُ مَرَّةً أَرْبَعِينَ وَمَرَّةً ثَمَانِينَ". فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ: يَجِبُ ضَرْبُ الثَّمَانِينَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْوَاجِبُ أَرْبَعُونَ وَالزِّيَادَةُ يَفْعَلُهَا الْإِمَامُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إذَا أَدْمَنَ النَّاسُ الْخَمْرَ. أَوْ كَانَ الشَّارِبُ مِمَّنْ لَا يَرْتَدِعُ بِدُونِهَا. (25)
وهذا عين الفقه؛ لأن الصائل على الأموال إذا لم يندفع إلا بالقتل قتل، فما بالكم بالصائل على أخلاق المجتمع وصلاحه وفلاحه.
وأما العقوبة الأخروية
فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ". (26)
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ-رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ". (27)
وعَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ، وَجَيْشَانُ مِنَ الْيَمَنِ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ، يُقَالُ لَهُ: الْمِزْرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟ "قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ "قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: "عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ "أَوْ "عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ". (28)
فهذه عقوبة الدنيا وهذه عقوبة الآخرة فيا تُرى من يستطيع أن يتحمل هذه العقوبة ويهدر صحته ويضيع عمره وماله في مثل هذه المسكرات. (29)
انتبه فإن الموت قادم
أيها الأصحاء والمرضى: تذكروا أن أعمارنا في هذه الدنيا قصيرة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ". ، ولا خير أصلاً في طول العمل إلا إذا كان على طاعة الله. (30)
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ-رضي الله عنه-، أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ". ، وقد استعاذ عليه الصلاة والسلام أن يرد إلى أرذل العمر. (31)
أيها الأصحاء والمرضى: تذكروا أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، ولهذا فهي مليئة بالمصائب والأكدار والأحزان والأمراض والحوادث؛ قال تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [البقرة: 155]، وقال: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ } [البلد: 3]. لذا فإن الجزع لا يفيد؛ بل يضاعف المصيبة ويفوت الأجر ويعرض المصاب للإثم.
قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- "إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور". (32)
يقول معاوية بن قرّة-رحمه الله-" أشدّ الناس حسابا الصحيح الفارغ".
ويقول سفيان بن عيينة -رحمه الله-"من تمام النعمة طول الحياة في الصحة والأمن والسرور".
ويقول ابن السماك -رحمه الله-"النعمة من الله على عبده مجهولة فإذا فقدت عُرفت".
وقيل "من لم يشكر الله على النعمة فقد استدعى زوالها". (33)
والحمد لله رب العالمين
---
(1) دين الحق لعبد الرحمن بن حماد آل عمر (ص: 104).
(2) الطب النبوي لابن القيم (ص: 159).
(3) الأدلة والبراهين على حرمة التدخين (ص: 52).
(4) صحيح أخرجه أحمد في مسنده (7/ 38) رقم 3922، وانظر السلسلة الصحيحة للألباني رقم 1650.
(5) صحيح أخرجه أحمد في مسنده (30/ 398) رقم 18455، والحميدي في مسنده (2/ 73) رقم 845 وغيرهما وانظر صحيح الجامع (1/ 565) رقم 2930.
(6) محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (ت: 502هـ) (1/ 514).
(7) موسوعة الكتيبات الإسلامية (290/ 3).
(8) محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء (1/ 514).
(9) موسوعة خطب المنبر (ص: 4316).
(10) صحيح أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 447) رقم 7927 وقال " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "، وانظر صحيح الجامع للألباني (1/ 243) رقم 1077.
(11) صحيح البخاري (8/ 88) رقم 6412 من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-.
(12) صحيح أخرجه الترمذي في سننه (4/ 190) رقم 2417 وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُرَيْجٍ هُوَ بَصْرِيٌّ، وَهُوَ مَوْلَى أَبِي بَرْزَةَ، وَأَبُو بَرْزَةَ اسْمُهُ: نضْلَةُ بْنُ عُبَيْدٍ. ، والدارمي في سننه (1/ 144) رقم 537، وانظر السلسلة الصحيحة (2/ 629) رقم 946.
(13) صحيح البخاري (7/ 130) رقم 5728 من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنه-.
(14) صحيح البخاري (7/ 126) رقم 5707 معلقاً.
(15) صحيح أخرجه الترمذي في سننه (4/ 168) رقم 2380، والنسائي في الكبرى (6/ 268) رقم 6737 وغيرهما وانظر السلسلة الصحيحة (5/ 336) رقم 2265للألباني.
(16) صحيح البخاري (7/ 72) رقم 5397 من حديث أبي هريرة.
(17) صحيح البخاري (1/ 45) رقم 172و صحيح مسلم (1/ 234) رقم 90 (279).
(18) انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي (13/ 331)، ومجلة الرسالة (997/ 43)، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي للدكتور مُصطفى الخِنْ، والدكتور مُصطفى البُغا، علي الشّرْبجي (1/ 29).
(19) هذه الفوائد مقتبسة من موسوعة الكتيبات الإسلامية (31/ 14).
(20) مجموع الفتاوى (28/ 339) لابن تيمية بتصرف.
(21) تفسير القرطبي (3/ 57) بتصرف.
(22) قطب السرور في أوصاف الأنبذة والخمور لأبي اسحاق إبراهيم بن القاسم المعروف بالرقيق النديم (المتوفى: نحو 425هـ) (ص: 115).
(23) ربيع الأبرار ونصوص الأخيار (5/ 17).
(24) صحيح موقوفاً أخرجه النسائي في سننه (8/ 315) رقم 5666، وعبد الرزاق في مصنفه (9/ 236) رقم 17060وغيرهما وانظر التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (8/ 22) للألباني.
(25) مجموع الفتاوى (28/ 336).
(26) صحيح أخرجه أبو داود في سننه (3/ 326) رقم 3674، وأحمد في المسند (10/ 9) رقم 5716، وغيرهما، وانظر صحيح الجامع الصغير (2/ 907) رقم 5091.
(27) صحيح البخاري (7/ 104) رقم 5575 صحيح مسلم (3/ 1588) رقم 76 - (2003).
(28) صحيح مسلم (3/ 1587) رقم 72 (2002).
(29) دروس للشيخ سعود الشريم (9/ 2).
(30) صحيح أخرجه الترمذي(3550)، وابن ماجة (4236) وانظر الصحيحة ( 757).
(31) صحيح أخرجه الترمذي في سننه (2329)، وصححه الألباني في الصحيحة(1836).
(32) الرضا لابن أبي الدنيا (29)، والتعازي لأبي الحسن المدائني (ص: 82).
(33) روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار لمحمد بن قاسم بن يعقوب الأماسي الحنفي، محيي الدين، ابن الخطيب (ت: 940هـ) (ص: 264).