ضوابط ومنطلقات الدعاة

ضوابط ومنطلقات الدعاة

1 - الدعوة إِلى الله- سبحانه وتعالى- سبيل من سبُل النجاة في الدنيا والآخرة؛ فـ (( لأَن يهدي الله بك رجلا واحدا، خير لك من أَن يكون لك حُمر النعَم )) والأَجر يقع بمجرد الدعوة، ولا يتوقف على الاستجابة، والداعية ليس مطالبا بتحقيق نصرٍ للإِسلام، فهذا أَمر الله وبيده سبحانه؛ لكن الداعية مطالب ببذل جهده في هذا السبيل فحسب.

والإعداد للداعية شرط، والنصر من الله وعد، والدعوةُ صورة من صُور الجهاد، تشترك مع القتال في المقصد والنتيجة.

2 - تأْكيد منهج سلفِ هذه الأُمة

المتمثل في منهج أَهل السُّنة والجماعة وتعميقه، والمعروف بوسطيته، وشموله، واعتداله وبُعده عن الإِفراط والتفريط.

والانطلاقُ من مُنطلقِ العلم الشرعي الملتزم بالكتاب والسنة الصحيحة: هو الحافظ بفضل الله تعالى من السقوط، والنور لمن عزم على المسير في طريق الأَنبياء عليهم السلام.

3 - الحرص على إِيجاد جماعة المسلمين، ووحدة كلمتهم على الحق؛ أَخذا بالمنهج القائل: (كلمةُ التوحيدِ أَساسُ توحيد الكلمة) مع الابتعادِ عما يُمزِّقُ الجماعات الإِسلاميَّة اليوم من التحزب المذموم الذي فرق المسلمين، وباعد بين قلوبهم.

والفهم الصحيح لكلِّ تجمع في الدعوة إِلى الله تعالى: جماعة من المسلمين لا جماعة المسلمين.

4 - يجب أَنْ يكون الولاءُ للدين لا للأشخاص؛ فالحق باق والأَشخاصُ زائلون، واعرفِ الحق تعرفْ أَهلَه.

5 - الدعوة إِلى التعاون وإلى كلِّ ما يوصل إِليه، والبعد عن مواطن الخلاف وكل ما يؤدِّي إِليه، وأَن يعين بعضنا بعضا، وينصح بعضنا لبعض فيما نختلف فيه، مما يسع فيه الخلاف، مع نبذ التباغض.

والأَصل بين الجماعات الإسلاميَّة المعتدلة: التعامل والوحدة؛ فإِنْ تعذر ذلك فالتعاون، فإِنْ تعذر ذلك فالتعايش، وإلا فالرابعة الهلاك.

6 - عدم التعصب للجماعة التي يَنتسبُ إِليها الفرد، والترحيبُ بأَي جهد محمود يقدمه الآخرون، ما دام موافقا للشرع، وبعيدا عن الإفراط والتفريط.

7 - الاختلاف في فروع الشريعة يوجب النصح والحوار، لا التخاصُم والقِتال.

8 - النقد الذاتي، والمراجعة الدائمة، والتقويم المستمر.

9 - تَعلم أَدب الخلاف، وتعميق أصول الحوار، والإِقرار بأهميتهما، وضرورة امتلاك أَدواتهما.

10 - البعد عن التعميم في الحكم، والحذر من آفاته، والعدل في الحكم على الأَشخاص، ومن الإنصاف الحكم على المعاني دون المباني.

11 - التمييز بين الغاية والوسيلة، فمثلا: الدعوة مقصد؛ لكن الحركة والجماعة والمركز وغيرها هي من الوسائل.

12 - الثبات في المقاصد، والمرونة في الوسائل بحسب ما يسمح به الشرع.

13 - مراعاة قضية الأَولويات، وترتيب الأُمور حسب أَهميتها، وإذا كان لا بدَّ من قضية فرعية أَو جزئية؛ فينبغي أَن تأتي في مكانها، وزمانها، وظرفها المناسب.

14 - تبادل الخبرات بين الدعاة أَمر مهم، والبناءُ على تجاربِ مَن سَبق، والداعية لا يبدأ من فراغ، وليس هو أَول من تصدى لخدمة هذا الدِّين ولا يكون آخر المتصدِّين، ولأَنه لم يوجد ولن يوجد من هو فوق النصح والإرشاد، أَو من يحتكر الصواب كله وبالعكس.

15 - احترام علماء الأمة المعروفين بتمسكهم بالسنة وحُسن المعتقد، وأَخذ العلم عنهم، وتوقيرهم وعدم التطاول عليهم، والكف عن أَعراضهم، وعدم التشكيك في نياتهم، وإلصاق التهم بهم، دون التعصب لهم أَيضا؛ إِذ كلُّ عالم يخطئ ويصيب، والخطأُ مردود على صاحبه مع بقاء فضله وقدره ما دام مجتهدا.

16 - إِحسان الظن بالمسلمين، وحمل كلامهم على أَحسن محامله وستر عيوبهم، مع عدم الغفلة عن بيانها لصاحبها.

17 - إِذا غلبت محاسن الرجل لم تذكر مساوئه إِلا لمصلحة وإذا غلبت مَساوِئ الرجل لم تذكر محاسنه؛ خشية أَن يلتبس الأَمر على العوام.

18 - استعمال الأَلفاظ الشرعية لدقتها وانضباطها، وتجنب الأَلفاظ الدخيلة والملتوية، مثلا: الشورى لا الديمقراطية.

19 - الموقف الصحيح من المذاهب الفقهية: هي ثروة فقهية عظيمة، علينا أَن ندرسها، ونستفيد منها، ولا نتعصب لها، ولا نردَّها على وجه الإِجمال، ونتجنب ضعفها، ونأْخذ منها الحق والصواب على ضوء الكتاب والسنة، وبفهم سلف الأُمة.

20 - تحديد الموقف الصحيح من الغرب وحضارته، بحيث نستفيد من علومهم التجريبية بضوابط ديننا العظيم وقواعده.

21 - الإِقرار بأهمية الشورى في الدعوة، وضرورة تعلم الداعية فقه الاستشارة.

22 - القدوة الحسنة، فالداعية مرآةُ دعوته والنموذج المعبر عنها.

23 - اتباع سبيل الحكمة والموعظة الحسنة، وجعل قول الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] ميزانا للدعوة وحكمة للسير عليها.

24 - التحلِّي بالصبر؛ لأنه من صفة الأَنبياء والمرسلين، ومدار نجاح دعوتهم.

25 - البعد عن التشدد، والحذر من آفاته ونتائجه السلبية، والعمل بالتيسير والرفق؛ في حدود ما يسمح به الشرع.

26 - المسلم طالب حق، والشجاعة في الحق مطلب ضروري في الدعوةِ، وإن كنتَ عاجزا عن قولِ الحق؛ فلا تقل الباطل.

27 - الحذر من الفتور، ونتائجه السلبية، وعدم الغفلة عن دراسة أَسبابه، وطرق علاجه.

28 - الحذر من الإِشاعة وترويجها، وما يترتب عليها من آثار سيئة في المجتمع الإِسلامي.

29 - مقياس التفاضل هو التقوى والعمل الصالح، وتحاشي كلِّ العصبيات الجاهلية؛ من التعصب للإِقليم، أَو العشيرة، أَو الطائفة، أَو الجماعة.

30 - المنهج الأَفضل في الدعوة هو تقديم حقائق الإِسلام ومناهجه ابتداء، وليس إِيراد الشبهات والرد عليها، ثمَ إِعطاء الناس ميزان الحق، ودعوتهم إِلى أُصول الدِّين، ومخاطبتهم على قدر عقولهم، والتعرفُ على مداخل نفوسهم وسيلة في هدايتهم.

31 - تمسكُ الدعاة والجماعات الإِسلامية بدوام الاعتصام بالله تعالى، وتقديم الجهد البشري وطلب العون من الله تعالى، واليقين بأَن الله هو الذي يقود، ويوجه مسيرة الدعوة، ويسدِّد الدعاة، وأَن الدين والأَمر كله لله سبحانه وتعالى.

هذه الضوابط والفوائد هي ثمرة تجارب كثير من العلماء والدعاة إِلى الله تعالى، ولنعلم يقينا أَنَّ الدعاة إِلى الله لو فقهوا هذه الضوابط، وعملوا بها؛ لكان في ذلك خير كثير لمسيرة الدعوة.

وليعلم جميع الدعاة، أَنَّه لا صلاح لهم، ولا نجاح لدعوتهم إِلا بالاعتصام بالله، والتوكل عليه في كلِّ أَمرٍ، وسؤاله التوفيق، وإخلاص النيَّة، والتجرد من الهوى، وجعل الأَمرِ كلّه لله تعالى.(1)

---

([1])  من كتاب الوجيز في عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة (2/217 - 222) لعبد الله بن عبد الحميد الأثري