فوائد ودرر

فوائد ودرر

الرد على المخالف

الرد على المخالف من النصيحة لله، و رسوله، و لعامة المسلمين، وخاصتهم، لكن لابد فيها من أمرين :

الأول : الأنكار لا يكون إلا فيما خالف نصًّا مخالفة صريحة، أو ناقض إجماع الأمة المعصوم .

وإلا فهي المناظرة للوصول إلى الحق، و ليس قول أحد المتناظرين أولى من الآخر .

الآخر : حفظ فضل المخالف، مع عدم اعتقاد العصمة، و الاعتذار عنه، و إن اشتدت الخصومة .

قال ابن قيم الجوزية في أعلام الموقعين ( 3 / 220 ) :

(( ولا بد من أمرين :

أحدهما أعظم من الآخر :

ـ وهو النصيحة لله ( تعالى ولرسوله وكتابه ودينه، وتنزيهه عن الأقوال الباطلة المناقضة لما بعث الله به رسوله من الهدى والبينات، التي هي خلاف الحكمة والمصلحة والرحمة والعدل، وبيان نفيها عن الدين وإخراجها منه، وإن أدخلها فيه من أدخلها بنوع تأويل.

ـ والثاني: معرفة فضل أئمة الإسلام ومقاديرهم وحقوقهم ومراتبهم، وأن فضلهم وعلمهم ونصحهم لله ورسوله :

ـ لا يوجب قبول كل ما قالوه، وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم فيها ما جاء به الرسول فقالوا بمبلغ علمهم والحق في خلافها لا يوجب إطراح أقوالهم جملة وتنقصهم والوقيعة فيهم؛ فهذان : طرفان جائران عن القصد

وقصد السبيل بينهما :

ـ فلا نؤثم ـ ولا نعصم ـ ولا نسلك بهم مسلك الرافضة في علي  ـولا مسلكهم في الشيخين

ـ بل نسلك مسلكهم أنفسهم فيمن قبلهم من الصحابة:

ـ فإنهم لا يؤثمونهم ـ ولا يعصمونهم ـ ولا يقبلون كل أقوالهم  ـ ولا يهدرونها. ))

مهـلاً  أيهـا القصــابون

قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين (3 /522 ) :

(( وكيف يُعصم من الخطـأ من خُلق ظلوماً جهولاً، ولكن من عُدَّت غلطاته أقرب إلى الصواب ممــن عدت إصاباته )) .

• و قال أبوهلال العسكري في شرح ما يقع فيه التصحيف ( ص 6 ):

(( و لا يضع من العالم الذي برع في علمه : زلة إن كانت على سبيل السهو والإغفال

فإنه لم يعر من الخطأ إلا من عصم الله جل ذكره .

قد قالت الحكماء : الفاضل من عُدت سقطاته

وليتنا أدركنا بعض صوابهم أو كنا ممن يميز خطأهم )).

• و قال الحافظ الذهبـــــي في سير أعلام النبلاء للذهبى ( 5 / 271 ):

(( ثم إن الكبير من أئمة العلم : إذا كثر صوابه، و علم تحريه للحق

و اتسع علمه، و ظهر ذكاؤه، و عرف صلاحه وورعه واتباعه، يغفر له زللة، و لا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم : لانقتدي به في بدعته وخطــــــئه، و نرجو له التوبة من ذلك )) .

• و قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة ( 1/176 ) :

(( من قواعد الشرع و الحكمة أيضًا :

من كثرة حسناته، وعظمــــت، و كان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل له ما لا يحتمل من غيره، ويعفى منه ما لا يعفى عن غيره، فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث بخلاف الماء القليل فإنه يحمل أدنى الخبث.

ومن هـــــذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر : ( و ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال : أعملوا ما شئتهم فقــــــــد غفرت لكم .

و قد ارتكب مثل هذا الذنب العظيم

فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه شهد بدراً، فــــــدل على أن مقتضى عقوبته قائم لكن منع من ترتيب أثره عليه ما له من المشهد العظيم؛ فوقعت تلك السقطة العظيمـــــــة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات.

و لما حض النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فأخرج عثمان رضي الله عنه تلك الصدقة العظيمة، قال : ما ضر عثمان ما عمل بعدها .

و قال لطلحة لما تطأطا للنبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد على ظهره إلى الصخرة : أوجب طلحة . ))

إسقاط النبلاء نيل من الشرع

إذا عرف الرجل بالعلم و الدين فلا عبرة بذم :  جاهل .  و لا صاحب هوى .

و إذا عرف الرجل بالبدعة أو الفجور فلا عبرة بمدحهم و لا تعديلهم .

و إنما تنحصر فتوى الجرح و التعديل في صاحب علم و ورع خال من هوى وتعصب .

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ( 14 / 344، 345 ) :

(( ما من إمام كامل في الخير إلاَّ و ثمَّ أُناسٌ من جهلة المسلمين و مبتدعيهم يذمونه ويحطون عليه وما من رأس في البدعة و التجهم و الرِّفض إلاّ وله أناس ينتصرون له ويذبون عنه، وإنما العبرة بقول جمهور الأمة الخالين من الهوى والجهل المتصفين بالورع والعلم. ))

و قال " المصدر السابق " (5/271) :

(( ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، و علم تحريه للحق، و اتسع علمه، و ظهر ذكاؤه، و عرف صلاحه و ورعه و اتباعه، يغفر له زلله، و لا نضلله و نطرحه، و نرجو له التوبة من ذلك)).

و قال " المصدر السابق " ( 14/376 ) :

(( و لو أن كل من أخطأ في اجتهاده ـ مع صحة إيمانه و توخيه لاتباع الحق ـ أهدرناه و بدعناه، لقل من يسلم من الأئمة معنا، رحم الله الجميع بمنه و كرمه )).

و قال " المصدر السابق " (16/285) :

(( و إنما يمدح العالم بكثرة ما له من الفضائل فلا تدفن المحاسن لورطة و لعله رجع عنها و قد يغفر باستفراغه الوسع في طلب الحق، و لا قوة إلا بالله )).

تتبع عورات المسلمين

قال الإمام الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار 4/123:

(( و المتحري لدينه في اشتغاله بعيوب نفسه ما يشغله عن نشر مثالب الأموات، وسب من لا يدري كيف حاله عند بارىء البريات، ولا ريب أن تمزيق عرض من قدم على من قدم، وجثا بين يدي من هو بما تكنه الضمائر أعلم ـ مع عدم ما يحمل على ذلك : من جرح، أو نحوه ـ أحموقة لا تقع لمتيقظ، ولا يصاب بمثلها متدين بمذهب، ونسأل الله السلامة بالحسنات، ويتضاعف عند وبيل عقابها الحسرات، اللهم اغفر لنا تفلتات اللسان، والقلم في هذه الشعاب، والهضاب وجنبنا عن سلوك هذه المسالك التي هي في الحقيقة مهالك ذوي الألباب. ))