صلة الرحم

صلة الرحم

معنى صلة الرحم.

فضل صلة الأرحام وحرمة قطعها.

صور من الصلة وكيفيتها

ثمرات صلة الرحم.

معنى صلة الرحم: 

الصلة من  وَصَلْتُ الشيء وَصْلًا وَصِلَةً، والوَصْلُ ضِدُّ الهِجْران. قال ابْنُ سِيدَهْ: الوَصْل خِلَافُ الفَصْل، ووَصَلَ الشيءَ بِالشَّيْءِ يَصِلُه وَصْلًا.(1)

وقَالَ الْجَوْهَرِيُّ -رحمه الله-: الرَّحِمُ الْقَرَابَةُ.(2)

قَالَ ابْنُ الأَثير -رحمه الله-: هِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الإحْسان إِلَى الأقْرَبينَ، مِنْ ذَوِي النَّسَب والأصْهار، والتَّعَطُّفِ عَلَيْهِمْ، والرِّفْقِ بِهِمْ، والرِّعايةِ لأحْوالِهم. وَكَذَلِكَ إنْ بَعُدُوا أَوْ أسَاءوا، وقَطْع الرَّحِم ضدُّ ذَلِكَ كلِّه.(3)

وقال النووي -رحمه الله-: وأما صلة الرحم فهي الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول فتارة تكون بالمال وتارة بالخدمة وتارة بالزيارة والسلام وغير ذلك.(4)

حقيقة صلة الرحم:

ليسَت صلةُ الرّحم بتبادُل المنافع، إنْ وصَلك رحمُك وصَلتَه، وإن نأى عنك وابتعَد نأيتَ عنه، ليس الصلة على هذه الصّفة، فتلك مكافأةُ البعض للبعض، ولكن أمر صلة الرّحم فوقَ هذا كلّه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-  قَالَ: «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا».(5) 

قال ابن القيم -رحمه الله-: وَلَيْسَ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ تَرْكُ الْقَرَابَةِ تَهْلَكُ جُوعًا، وَعَطَشًا، وَعُرْيًا، وَقَرِيبُهُ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ مَالًا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ وَإِنْ كَانَتْ لِكَافِرٍ، فَلَهُ دِينُهُ وَلِلْوَاصِلِ دِينُهُ.(6) 

فضل صلة الأرحام وحرمة قطعها:

من أعظم فضائل صلة الرحم:

1- أنَّ الله أوجبها على عباده فى كتابه:

ففي كتابِ اللهِ أدلةٌ كثيرةٌ تدلُ على وجوبِ صلةِ الرحم منها: قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» [النحل: 90].

وقال تعالى: «فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» [الروم: 38].

قال ابن كثير -رحمه الله-: قَوْلُهُ: «وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى» أَيْ: يَأْمُرُ بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ.(7)

وقال الطبري -رحمه الله-:وإعطاء ذي القربى الحقّ الذي أوجبه الله عليك بسبب القرابة والرحم.(8)

"قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: صِلَةُ الرَّحِمِ فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تُقْبَلُ صَدَقَةٌ مِنْ أَحَدٍ وَرَحِمُهُ مُحْتَاجَةٌ.(9)

2- علامةٌ على الإيمان بالله واليوم الآخر:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-  قَالَ: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».(10)

والحديثُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْقَاطِعَ كَأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لِعَدَمِ خَوْفِهِ مِنْ شِدَّةِ الْعُقُوبَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْقَطِيعَةِ.(11)

3- صلةُ الرحمِ من أحبِ الأعمالِ إلى الله تعالى بعدَ الإيمان:

وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ خَثْعَمَ -رضي الله عنه- قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهو فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللهِ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: «ثُمَّ صِلَةُ الرَّحِمِ».(12)

4- أنَّها مقدمةٌ على عتقِ الرقاب:

عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الحَارِثِ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً وَلَمْ تَسْتَأْذِنِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-  فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ، قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي، قَالَ: «أَوَفَعَلْتِ»؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: «أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ».(13)

قال القاضي عياض -رحمه الله-: وفيه أن صلة الرّحِم أفضل من العتق، وقد قال مالك: الصدقة عَلى الأقارب أفضل من عتق الرقاب.(14)

خطر قطيعة الرحم:

وإن كانت صلة الرحم من أفضل الأعمال إلى الله فإن قطيعة الرحم من أبغض الأعمال إلى الله، وكما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ رجلاً سَئَلَه فقال يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَبْغَضُ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الإِشْرَاكُ بِاللهِ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: «ثُمَّ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ مَهْ؟ قَالَ: «ثُمَّ الأَمْرُ بِالمُنْكَرِ وَالنَّهْيِ عَنِ المَعْرُوفِ».(15)

1- قطيعة الرحم من أمور الجاهلية:

قال تعالى: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ» [محمد: 22، 23].

قال ابن كثير -رحمه الله- : قوله تعالى: «وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ» أيْ: تَعُودُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ

الْجَاهِلِيَّةِ الْجَهْلَاءِ، تَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ وَتُقَطِّعُونَ الْأَرْحَامَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: «أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ» وَهَذَا نَهْيٌ عَنِ الْإِفْسَادِ فِي الْأَرْضِ عُمُومًا، وَعَنْ قَطْعِ الْأَرْحَامِ خُصُوصًا، بَلْ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِصْلَاحِ فِي الْأَرْضِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَهُوَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْأَقَارِبِ فِي الْمَقَالِ وَالْأَفْعَالِ وَبَذْلِ الْأَمْوَالِ.(16)

2-قطيعةٌ الرحم سببٌ للخسران فى الدنيا والآخرة وسببٌ للعنةِ الله:

قال تعالى: «الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ» [البقرة: 27].

قال الشيخ السعدى -رحمه الله-: فحصر الخسارة فيهم; لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم; ليس لهم نوع من الربح".(17)

وقال تعالى: «وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ» [الرعد: 25].

3-قطيعةُ الرحمِ تمنعُ من دخولِ الجنةِ:

عَنْ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ-رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ».(18)

قوله -صلى الله عليه وسلم- : «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ» أَيْ: قَاطِعُ الرَّحِمِ وَقَدْ تَعَارَفَ إِطْلَاقُ الْقَطْعِ فِي قَطْعِهَا كَالصِّلَةِ فِي وَصْلِهَا وَهَذَا تَشْدِيدٌ وَتَهْدِيدٌ أَوِ الْمُرَادُ مَنْ يَسْتَحِلُّ الْقَطْعَ.

وقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ -رحمه الله- : يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ.(19)

ثالثا: صور من الصلة وكيفيتها:

وأعظمُ الناس برا وصلةً بأرحامهم همُ الأنبياء صلوات الله عليهم وعلى رأسهم المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ، ففي بدايةِ دعوتِه صلوتُ اللهِ عليه قالت السيدةُ خديجة -رضي الله عنها- حينَ جَاءَهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ: فَقَالَتْ لَهُ: كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ.(20)

قال ابن القيم -رحمه الله-: فاستدلت -رضي الله عنها- بمعرفتها بِاللَّه وحكمته وَرَحمته على أَن من كَانَ كَذَلِك فَإِن الله لَا يخزيه وَلَا يَفْضَحهُ بل هُوَ جدير بكرامة الله واصطفائه ومحبته وتوبته وَهَذِه المقامات فِي الْإِيمَان عجز عَنْهَا أَكثر الْخلق.(21)

ومن أعظم صور البر :

1-التودد إليهم بدفع الصدقات إليهم:

فعن أَنَس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّه قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: «لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ» [آل عمران: 92] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ -رضي الله عنه- إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: «لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ» [آل عمران: 92] وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُ حَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ» فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ.(22)

قال ابن بطال -رحمه الله-: فثبت بهذا المعنى أن الصدقة على الأقارب وضعفاء الأهلين أفضل منها على سائر الناس إذا كانت صدقة تطوع.(23)

2- معرفة أنساب  الأقارب:

عن سَعِيد بْن عَمْرو قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: فَمَتَّ لَهُ بِرَحِمٍ بَعِيدَةٍ، فَأَلاَنَ لَهُ الْقَوْلَ، فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : «اعْرِفُوا أَنْسَابَكُمْ تَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّهُ لاَ قُرْبَ بِالرَّحِمِ إِذَا قُطِعَتْ وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً، وَلاَ بُعْدَ بِهَا إِذَا وُصِلَتْ وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً».(24)

قوله -صلى الله عليه وسلم- : «اعْرِفُوا أَنْسَابَكُمْ» جمع نسب وَهُوَ الْقَرَابَة أَي تعرَّفُوها وافحَصُوا عَنْهَا، «تَصِلُوا أَرْحَامكُم» أَي لأجلِ أَن تصلوها بِالْإِحْسَانِ أَو أَنَّـكُمْ إِن فَعلْتُمْ ذَلِك وصلتموها.(25)

وعن جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: تَعَلَّمُوا أَنْسَابَكُمْ، ثُمَّ صِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لِيَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ الشَّيْءُ، وَلَوْ يَعْلَمُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِنْ دَاخِلَةِ الرَّحِمِ، لَأَوْزَعَهُ ذَلِكَ عَنِ انْتِهَاكِهِ.(26) 

3- ومن الصلة النصرة لهم فى الحق ورد الظلم عنهم:

عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: «تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ».(27)

قال ابن بطال -رحمه الله-: والنصرة عند العرب: الإعانة والتأييد، وقد فسرَه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن نصر الظالم منعه من الظلم؛ لأنه إذا تركته على ظلمه ولم تكفه عنه أداه ذلك إلى أن يقتص منه؛ فمنعك له مما يوجب عليه القصاص نصره.(28)

4- دعوتُهم  للتمسكِ بكتابِ اللهِ وسنةِ نَبِيِّه -صلى الله عليه وسلم-  فى جُلِ الأحوال:

عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَإِذَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-  قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَيَقُولُ: «وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ».(29)

قال النووي -رحمه الله-: قال أصحابنا: يستحب أن تقدمَ في البر الأم ثم الأب ثم الأولاد ثم الأجداد والجدات ثم الإخوة والأخوات ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات والأخوال والخالات ويقدمُ الأقربُ فالأقربُ.(30)

وقال السعدى -رحمه الله-: في قوله تعالى: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ» أي :الذين هم أقرب الناس إليك، وأحقهم بإحسانك الديني والدنيوي.(31)

رابعا: ثمرات صلة الرحم :

1-بركةٌ فى الأرزاق وزيادةٌ فى الأعمار وعمارةٌ للديار:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».(32)

عنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-  قَالَ لَهَا: «إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ، فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ».(33)

قال السعدى -رحمه الله-: هذا الحديث فيه الحث على صلة الرحم، وبيان أنها كما أنها موجبة لرضى الله وثوابه في الآخرة، فإنها موجبة للثواب العاجل، بحصول أحب الأمور للعبد، وأنها سبب لبسط الرزق وتوسيعه، وسبب لطول العمر. وذلك حق على حقيقته; فإنه تعالى هو الخالق للأسباب ومسبباتها.(34)

2- سبب في دخول الجنة:

عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأنصاري -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- : أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، قَالَ: مَا لَهُ مَا لَهُ. وَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «أَرَبٌ مَا لَهُ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ».(35)

في الحديث: دليل على أنّ من وحّدَ الله، وقام بأركان الإسلام، ووصَلَ رَحِمَهُ دخل الجنة.(36)

3-أنَّ صلةَ الرحمِ أعجلُ الطاعاتِ  ثوابا للعبد:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : لَيْسَ شَيْءٌ أُطِيعَ اللهَ فِيهِ أَعْجَلُ ثَوَابًا مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ.(37)

4- صلةُ اللهِ لمن وَصَلَ رَحِمَه:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ».(38)  

في هذا الحديث حث وترغيب في صلة الرحم، فإذا أردت أن يصلك الله، وكل إنسان يريد أن يصله ربه ـ فصل رحمك، وإذا أردت أن يقطعك الله فاقطع رحمك، جزاء وفاقاً، وكلما كان الإنسان لرحمه أوصل؛ كان الله له أوصل، وكلما قصَّرَ جاءه من الثوب بقدر ما عمل، «وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا» [الكهف: 49].(39)   

قال ابن أبي جمرة -رحمه الله-: الوصلُ من الله كناية عن عظيم إحسانه وإنما خاطب الناس بما يفهمون ولما كان أعظم ما يعطيه المحبوب لمحبه الوصال وهو القرب منه وإسعافه بما يريد ومساعدته على ما يرضيه".(40) 

وقال الطبري -رحمه الله-: معنى وصل الله تعالى عبده إذا وصل رحمه، فهو تعطفه عليه بفضله، إما فى عاجل دنياه أو آجل آخرته.(41) 

---

(1) لسان العرب (11/ 726).

(2) لسان العرب (12/ 232).

(3) النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 191).

(4) شرح النووي على مسلم (2/ 201).

(5) صلة الرحم ,للشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ, والحديث أخرجه البخاري (5991).

(6) أحكام أهل الذمة (2/ 792).

(7)  تفسير ابن كثير (4/ 595).

(8) تفسير الطبري (17/ 279).

(9) تفسير القرطبي (14/ 35).

(10) أخرجه البخاري (6138).

(11) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 2732).

(12) الجامع الصحيح للسنن والمسانيد (5/ 154), وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (166).

(13) أخرجه البخاري (2592), ومسلم(2280).

(14) إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 519).

(15) أخرجه أبو يعلى مسنده (6839), وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (166).

(16) تفسير ابن كثير (7/ 318).

(17) تفسير السعدي (ص: 48).

(18) أخرجه البخاري (5984),ومسلم(6612).

(19) عون المعبود وحاشية ابن القيم (5/ 78).

(20) أخرجه البخاري (3), ومسلم(322).

(21) مفتاح دار السعادة (2/ 13).

(22) أخرجه البخاري (1461).

(23) شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 481).

(24) أخرجه الطيالسي فى مسنده(4/ 473),صححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (1051).

(25) التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 170).

(26) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (72), وقال الألباني حسن الإسناد في  صحيح الأدب المفرد (53).

(27) أخرجه البخاري (6592).

(28) شرح صحيح البخاري لابن بطال (6/ 572).

(29) أخرجه النسائي فى الكبرى (2323),وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (8067).

(30) شرح النووي على مسلم (16/ 103).

(31) تفسير السعدي (ص: 599).

(32) أخرجه البخاري (5985),ومسلم(6616).

(33) أخرجه أحمد (25259),قال الألبانى فى الصحيحة (519)وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

(34) بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار (ص: 172).

(35) أخرجه البخاري (1396).

(36) تطريز رياض الصالحين (ص: 230).

(37) أخرجه البيهقي في الكبرى (19870),وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير(5391).

(38) أخرجه البخاري (5987), ومسلم(6610).

(39) شرح رياض الصالحين (3/ 186).

(40) فتح الباري لابن حجر (10/ 418).

(41) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 205).