واصــبر علـى مـا أصـابـك

الصــبر على المــرض

الصبر على المرض

إن الابتلاءات سنة ربانية اقتضتها حكمة الله سبحانه في هذه الدار، لتكون داراً للامتحان في الشهوات والفقر والمرض والخوف والنقص في الأموال والأنفس والثمرات كما يكون الابتلاء بكثرة الأموال والأولاد والصحة قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنةً وإلينا ترجعون }.

ومن جملة الابتلاءات: الأمراض حيث يبتلي الله بها من شاء من عباده.

واعلم أن الله سبحانه لايقضي شيئاً كوناً ولا شرعاً إلا وفيه الخير والرحمة لعباده، وللأمراض والأسقام فوائد عظيمة وحكم بالغة لو تأملها المسلم حق التأمل لأدرك بيقين أن المرض نعمة ومنحة من الله ساقه إليه، فمن ثمرات المرض وحكمه أن الله يستخرج من المريض عبودية الضراء وهي الصبر، وهذا لا يتم إلا بأن يقلب الله الأحوال على العبد حتى يتبين صدق عبوديته لله تعالى

فالمريض يجب عليه أن يصبر ويحتسب على الله - عز وجل - الثواب الذي وعده سبحانه الصابرين، قال الله - عز وجل -: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10]

عَنْ صُهَيْبٍ الرومي -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ). (1)

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وأَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما-: عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ (تعب ) وَلاَ وَصَبٍ ( مرض )، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ). (2)

وعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-،: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ) وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ). (3)

وعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه-، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: (الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ). (4)

قَالَ بَعْضُ الْسلف: ارْضَ عَنِ اللَّهِ فِي جَمِيعِ مَا يَفْعَلُهُ بِكَ. فَإِنَّهُ مَا مَنَعَكَ إِلَّا لِيُعْطِيَكَ. وَلَا ابْتَلَاكَ إِلَّا لِيُعَافِيَكَ. وَلَا أَمْرَضَكَ إِلَّا لِيَشْفِيَكَ. وَلَا أَمَاتَكَ إِلَّا لِيُحْيِيَكَ. فَإِيَّاكَ أَنْ تُفَارِقَ الرِّضَا عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ. فَتَسْقُطَ مِنْ عَيْنِهِ. (5)

وقال وهب بن منبه -رحمه الله-: لا يكون الرجل فقيها كامل الفقه حتى يَعُدَّ البلاء نعمة ويعد الرخاء مصيبة وذلك أن صاحب البلاء ينتظر الرخاء وصاحب الرخاء ينتظر البلاء. (6)

- إذا اشتد به المرض فلا يتمنى الموت

ومهما اشتد به المرض فلا يتمنى الموت لأن المسلم لا يزيده عمره إلا خيرًا فإن كان لا بد فاعلا فليقل ما ورد في الحديث، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-،: (( لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي)). (7)

- المسلم يحسن الظن بربه في كل أحواله

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-،: ((  يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي )). (8)

اعلم أخي المسلم: أنَّ الله تعالى هو الْمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ سَوْءٍ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ، فَذَاتُهُ لَهَا الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَصِفَاتُهُ كَذَلِكَ، وَأَفْعَالُهُ كَذَلِكَ، كُلُّهَا حِكْمَةٌ وَمَصْلَحَةٌ وَرَحْمَةٌ وَعَدْلٌ، وَأَسْمَاؤُهُ كُلُّهَا حُسْنَى.

فَلَا تَظُنَّنَّ بِرَبِّكَ ظَنَّ سَوْءٍ. . . فَإِنَّ اللَّهَ أَوْلَى بِالْجَمِيلِ(9)

إياك أن تكون ممن قال الله فيهم {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} [هود: 9]

وعَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ، يَقُولُ: (لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ بِاللهِ الظَّنَّ). (10)

- ماذا يقول ويفعل من أحس بوجع في جسده

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ -رضي الله عنه-، أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَجَعًا يَجِدُهُ فِي

جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-،: (ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ بِاسْمِ اللهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ). (11)

- دعاء من أصيب بمصيبة

عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها-، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}، اللهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا )). ، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. (12)

- لابد للمريض أن يعتقد أنَّ الشفاء بيد الله تعالى وحده

قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [الشعراء: 80]

وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ، مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: (أَذْهِبِ الْبَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا). (13)

فينبغي للمريض إن يعلق قلبه بربه سبحانه، ومع ذلك يأخذ بالأسباب الشرعية في دفع ما نزل به من مرض:

عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَتِ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: ((نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً إِلَّا دَاءً وَاحِدًا )). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: (( الهَرَمُ)). (14)

وعن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ -رضي الله عنه-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ إِلَّا السَّامَ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا السَّامُ؟ قَالَ: (الْمَوْتُ). (15)

لا يجوز التداوي بمحرم

عن طَارِق بْن سُوَيْدٍ الْجُعْفِيّ -رضي الله عنه-، أنه سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، عَنِ الْخَمْرِ، فَنَهَاهُ - أَوْ كَرِهَ - أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ).(16)

وعن أُمّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها-، أنها قالت: اشْتَكَتِ ابْنَةٌ لِي، فَنَبَذْتُ لَهَا فِي كُوزٍ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، وَهُوَ يَغْلِي، فَقَالَ (مَا هَذَا؟ ) فَقَالَتْ: إِنَّ ابْنَتِي اشْتَكَتْ فَنَبَذْنَا لَهَا هَذَا، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِي حَرَامٍ). (17)

وقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-،: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ. (18)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: التَّدَاوِي بِالْخَمْرِ حَرَامٌ بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. . . . . وَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ أَكْلِ الْمُضْطَرِّ لِلْمَيْتَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ قَطْعًا. وَلَيْسَ لَهُ عَنْهُ عِوَضٌ وَالْأَكْلُ مِنْهَا وَاجِبٌ فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ وَلَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ دَخَلَ النَّارَ. وَهُنَا لَا يُعْلَمُ حُصُولُ الشِّفَاءِ وَلَا يَتَعَيَّنُ هَذَا الدَّوَاءُ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى يُعَافِي الْعَبْدَ بِأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَالتَّدَاوِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُقَاسُ هَذَا بِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (19)

نماذج في الصبر على المرض

البلاء العظيم عند أيوب عليه السلام

فقد ابتلاه الله في أهله وماله وولده وجسده، ومع هذا كله كان يمسي ويصبح وهو يحمد الله ولم يشك حاله إلا إلى الله جل وعلا حتى ضربت به الأمثال في الصبر، بعد سنين من البلاء والمرض رفع يديه إلى الله بكل ذلّ وانكسار وقال: {أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين} [الأنبياء: 83]، فجاء الجواب من الجواد الكريم: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }[الأنبياء: 84]، وقال تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44].

عروة بن الزبير

وها هو عروة بن الزبير من أفاضل التابعين وأخيار التابعين، كان له ولد اسمه محمد من أحسن الناس وجهًا، دخل على الوليد في ثياب جميلة، فقال الوليد: هكذا تكون فتيان قريش، ولم يدعُ له بالبركة، فقالوا: إنه أصابه بالعين، وخرج محمد هذا من المجلس فوقع في إصطبل للدواب فلا زالت الدواب تطؤه حتى مات، ثم مباشرة وقعت الآكلة في رجل عروة، وقالوا: لا بد من نشرها بالمنشار وقطعها حتى لا تسري لأماكن الجسد فيهلك، فنشروها، فلما وصل المنشار إلى القصبة ـ وسط الساق ـ وضع رأسه على الوسادة فغشي عليه، ثم أفاق والعرق يتحدّر من وجهه وهو يهلل ويكبّر ويذكر الله، فأخذها وجعل يقلبها ويقبلها في يده وقال: (أما والذي حملني عليك، إنه ليعلم أنني ما مشيت بك إلى حرام ولا إلى معصية ولا إلى ما لا يرضي الله)، ثم أمر بها فغسلت وطيبت وكفنت وأمر بها أن تقدم إلى المقبرة، ولما جاء من السفر بعد أن بترت رجله وفقد ولده قال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، ولما قالوا: نسقيك شيئًا يزيل عقلك؟ قال: إنما ابتلاني ليرى صبري.

عيادة المريض آداب وفضل

من أدب الإسلام أن يعود المسلم المريض ويتفقد حاله،

- عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (أَطْعِمُوا الجَائِعَ، وَعُودُوا المَرِيضَ، وَفُكُّوا العَانِيَ) قَالَ سُفْيَانُ: " وَالعَانِي: الأَسِيرُ "(20)

 - عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: " حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ".(21)

فضل عيادة المريض:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: " مَنْ عَادَ مَرِيضًا، نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: طِبْتَ، وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا " (22)

وعَنْ ثَوْبَانَ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ)، قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: (جَنَاهَا)(23)

 عَنْ ثُوَيْرٍ هُوَ ابْنُ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَخَذَ عَلِيٌّ بِيَدِي، قَالَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى الحَسَنِ نَعُودُهُ، فَوَجَدْنَا عِنْدَهُ أَبَا مُوسَى، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَعَائِدًا جِئْتَ يَا أَبَا مُوسَى أَمْ زَائِرًا؟ فَقَالَ: لاَ بَلْ عَائِدًا، فَقَالَ عَلِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلاَّ صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الجَنَّةِ. (24)

يستحب في العيادة أن يدعو العائد للمريض، ويدخل السرور على قلبه صحيح

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ: (لاَ بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) فَقَالَ لَهُ: (لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) قَالَ: قُلْتُ: طَهُورٌ؟ كَلَّا، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ، أَوْ تَثُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ القُبُورَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (فَنَعَمْ إِذًا) (25)

كيفية صلاة المريض:

1 - يجب على المريض الذي لا يخاف زيادة مرضه أن يصلي الفريضة قائمًا؛ لقول الله تعالى: {وَقُومُواْ لله قَانِتِينَ}.

2 - إن قدر المريض على القيام بأن يتكئ على عصا أو يستند إلى حائط أو يعتمد على أحد جانبيه لزمه القيام؛ لحديث أُمّ قَيْسٍ بِنْت مِحْصَنٍ -رضي الله عنها-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، لَمَّا أَسَنَّ وَحَمَلَ اللَّحْمَ، اتَّخَذَ عَمُودًا فِي مُصَلَّاهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ. (26)

3 - إن قدر المريض على القيام إلا أنه يكون منحنيًا على هيئة الراكع؛ كالأحدب، أو الكبير الذي انحنى ظهره وهو يستطيع القيام لزمه القيام؛ لحديث عمران -رضي الله عنه-، المتقدم.

4 - المريض الذي يقدر على القيام لكنه يعجز عن الركوع أو السجود لا يسقط عنه القيام، وعليه أن يصلي قائمًا ويومئ بالركوع قائمًا إن عجز عنه، وإن لم يمكنه أن يحني ظهره حنى رقبته، وإن تقوّس ظهره فصار كأنه راكع زاد في انحنائه قليلاً، ثم يجلس فيومئ بالسجود جالسًا إن عجز عنه ويقرب وجهه إلى الأرض في السجود أكثر ما يمكنه؛ لقول الله تعالى: {وَقُومُواْ لله قَانِتِينَ}؛ ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-، لعمران بن حصين-رضي الله عنهما-: ((صلّ قائمًا))؛ ولأن القيام ركن قدر عليه فلزمه الإتيان به.

5 - المريض الذي يزيد القيام في مرضه، أو يشق عليه مشقة شديدة، أو يضره، أو يخاف زيادة مرضه يصلي قاعدًا؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ}؛ ولقوله - عز وجل -: {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}؛ ولقوله - سبحانه وتعالى -: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، ولقوله سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}؛ ولحديث عمران بن حصين -رضي الله عنهما-، وفيه: ((صلّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا. . . ))؛ ولحديث أنس -رضي الله عنه-، قال: سَقَطَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ ( أي خدش ) شِقُّهُ الْأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى بِنَا قَاعِدًا. (27)

وقد أجمع العلماء على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالسًا.

6 - الأفضل للمريض إذا صلى جالسًا أن يكون متربعًا في موضع القيام، والصحيح أنه إذا ركع يركع وهو متربع؛ لأن الراكع قائم؛ لحديث عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا. (28)

والسنة له أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع، أما في حال السجود فالواجب أن يسجد على الأرض، فإن لم يستطع وجب عليه أن يجعل يديه على الأرض وأومأ بالسجود؛ لما ثبت عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-،: (أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَاليَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ القَدَمَيْنِ وَلاَ نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَالشَّعَرَ).(29)

فإن لم يستطع جعل يديه على ركبتيه وأومأ بالسجود وجعله أخفض من الركوع؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ}؛ ولقوله -صلى الله عليه وسلم-،: (( وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)).متفق عليه.

7 - إن عجز المريض عن الصلاة قاعدًا صلى على جنبه مستقبل القبلة بوجهه، والأفضل أن يصلي على جنبه الأيمن؛ لحديث عمران -رضي الله عنه-، وفيه: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ). (30)

ولحديث عائشة -رضي الله عنها-، قالت: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ، فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. (31)

8 - فإن عجز المريض عن الصلاة على جنبه صلى مستلقيًا رجلاه إلى القبلة؛ لحديث عمران بن حصين -رضي الله عنهما-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال له: (صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ). ، زاد النسائي: ((فإن لم تستطع فمستلقياً لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها)). (32)

- لا يجوز للمريض ترك الصلاة بأي حال من الأحوال ما دام عقله ثابتًا، بل يجب على المكلف أن يحرص على الصلاة أيام مرضه أكثر من حرصه عليها أيام صحته ويصليها في وقتها المشروع حسب استطاعته، فإذا تركها متعمدًا وهو عاقل عالم بالحكم الشرعي مكلف يقوى على أدائها ولو إيماءً فهو آثم.

 نصائح وتوجيهات

- تعرَّف إلى الله في صحتك يعرفك في مرضك وكربتك

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-،: (يَا غُلَامُ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إلى اللهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ). (33)

- مَن داوم على الأعمال الصالحة حال صحته كُتب له أجرها حال مرضه أو سفره

عن أَبي مُوسَى الأشعري -رضي الله عنه-، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-،: (إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا). (34)

المسلم لا يتمنى البلاء ولكن يسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة

عَنْ العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ -رضي الله عنه-، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: (سَلِ اللَّهَ العَافِيَةَ)، فَمَكَثْتُ أَيَّامًا ثُمَّ جِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَسْأَلُهُ اللَّهَ، فَقَالَ لِي: (يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، سَلِ اللَّهَ، العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ). (35)

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-،: (اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ). (36)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ). (37)

يا صاحب الهمّ إنّ الهمّ منقطعٌ * * * أبشر بذاك فإنّ الكافي اللّه

اليأس يقطع أحياناً بصاحبه * * * لا تيأسنّ كأن قد فرّج اللّه

إذا بليت فثق باللّه وأرض به * * * إنّ الذي يكشف البلوى هو اللّه

الحمد للّه شكراً لا شريك له * * * ما أسرع الخير جدّاً إن يشا اللّه

 

فنسأل الله الشفاء لمرضى المسلمين كما نسأله العفو والعافية

---

(1) رواه مسلم (2999)

(2) رواه البخاري (5641) ومسلم (2572)

(3) رواه الترمذي (2396) وحسنه الألباني في صحيح الجامع(1/ 424)

(4) رواه الترمذي (2398) وصححه الألباني في صحيح الجامع(1/ 231)

(5) مدارج السالكين (2/ 208)

(6) عدة الصابرين (ص: 93)

(7) رواه البخاري (5671) ومسلم (2680)

(8) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675)

(9) زاد المعاد (3/ 211)

(10) رواه مسلم (2877)

(11) رواه مسلم (2202)

(12) رواه مسلم (918)

(13) رواه مسلم (2191)

(14) رواه الترمذي (2038) وصححه الألباني في صحيح الجامع(1/ 565)

(15) رواه الحاكم في المستدرك (4/ 445) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 371)

(16) رواه مسلم (1984)

(17) رواه ابن حبان (1391) وحسنه الألباني لغيره في التعليقات الحسان (3/ 74)

(18) صحيح البخاري (7/ 110)

(19) مجموع الفتاوى (24/ 266)

(20)  صحيح البخاري (7/ 67) 5373

(21)  صحيح البخاري (2/ 71)1240، صحيح مسلم (2162).

(22)   أخرجه ابن ماجه (1/ 464) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1091)2163

(23)  صحيح مسلم (4/ 1989)(2568)

(24) رواه الترمذي (2/ 292)969، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (1/ 489)1550

(25)  البخاري (4/ 202)

(26) رواه أبو داود (948) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (4/ 105)

(27) رواه البخاري (805) ومسلم (411)

(28) رواه النسائي (3/ 224) وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (4/ 305 )

(29) رواه البخاري (812) ومسلم (490)

(30) رواه البخاري (1117) 

(31) رواه البخاري (168)

(32) عزاه الزيلعي (2/175) والحافظ في التلخيص (3/285) [للنسائي]. قال الألباني: لم أجده. راجع أصل صفة صلاة النبي (1/ 91)

(33) رواه أحمد (1/ 307) والطبراني (11243) وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 569)

(34) رواه البخاري (2996)

(35) رواه الترمذي (3514) وصححه الألباني في صحيح الجامع(2/ 1314)

(36) رواه مسلم (2739)

(37) رواه البخاري (6616) ومسلم (2707)