واقترب رمضان فهل من مشمر

واقترب رمضان فهل من مشمر

أهمية الاستعداد                ودع شعبان بمزيد من الطاعات

تعظيم شهر رمضان ومعرفة قدره            معرفة الثمرات العظيمة

رمضان له طعم خاص، وحديثه يجلو القلوب، ومحطة خاصة، وشعور غريب لا يشعر به إلا المحبون العاشقون لهذا الشهر، وما فيه من الخير العظيم العميم: كل هذا الشوق، وكل هذا الحنين، وكل هذه المشاعر والعواطف، ومع ذلك هناك من يفرط في رمضان، ويخسر فضله وأجره -والعياذ بالله- وربما لم يشعر ذلك الخاسر بلذة الصيام والقيام، ولا يعرف من رمضان إلا الجوع والعطش، فأي حرمان بعد هذا الحرمان! نعوذ بالله من الخسران.

أهمية الاستعداد:

- هو دأب الصالحين وطريق المفلحين الفائزين فتشبه بهم تكن معهم.

- فرقٌ كبير بين من دخل عليه رمضان ليحصد الحسنات وبين من دخل عليه رمضان وهو يجاهد نفسه على الطاعات.

- شهر رمضان وجبة دسمة من الطاعات قد تؤدي إلى التخمة الروحية إن لم توافق شهية قوية وهذا مشاهد في واقع الناس.

- الاستعداد الجيد درعٌ يقي المسلم من الملل والفتور أثناء السباق في شهر رمضان.

- كلما كانت الثمرة أعظم كان الثبات بعد رمضان أطول وما ذلك إلا ثمرة الاستعداد الجيد.

ودع شعبان بمزيد من الطاعات:

عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قالت: (( كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانُ، بَلْ كَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ)). (1)

وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((  يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ )). (2)  وفي لفظ: ((  كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا )). (3)

عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ  -رضي الله عنه-، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: (( ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ )). (4)

قال ابن رجب -رحمه الله-: وإنما صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- من أشهر السنة فكان يصوم من شعبان ما لا يصوم من غيره من الشهور. (5)

قال الصنعاني -رحمه الله-: في الحديث دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَخُصُّ شَعْبَانَ بِالصَّوْمِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ.(6)

- تعظيم شهر رمضان ومعرفة قدره

قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]

فقد كان السلف رحمهم الله بعد رمضان مباشرة يدعون الله أن يتقبله منهم ستة أشهر ثم في الست أشهر الباقية يدعونه أن يُبلغهم رمضان القادم فانظر لمدى استشعارهم لمكانة رمضان وأيامه الغالية.

فعلى المسلم أولاً أن يعظم شهر رمضان وأن يقدره حق قدره، ولِمَا لا وقد عظَّمه الله تعالى وعظمه رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعظَّمه المؤمنون، ويكفي أن تعرف أن الله تعالى اختصَّ هذا الشهر بإنزال كتبه على رسله لهداية الناس ونجاتهم، فعَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ  -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الزَّبُورُ، لِثَمَانِ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ)). (7)

- معرفة الثمرات العظيمة التي يجنيها المسلم من الاجتهاد في الطاعة خلال شهر رمضان.

مثل: مغفرة الذنوب، العتق من النار، مضاعفة الحسنات، رفع الدرجات، الانتصار على النفس والشيطان، الشعور بلذة الطاعة، الشعور بمعية الله، حياة القلب وصلاح النفس،. .. . وغير ذلك كثير

فمعرفتك لهذه الفضائل وغيرها يعطيك دافعاً نفسياً للاستعداد له.

- ويتم ذلك من خلال المطالعة الإيمانية: وهي عبارة عن قراءة بعض كتب الرقائق المختصة بهذا الشهر الكريم لكي تتهيأ النفس لهذا الشهر بعاطفة إيمانية مرتفعة.

- اقرأ كتاب لطائف المعارف ( باب وظائف شهر رمضان ) وكتاب ( أسرار المحبين في رمضان) وسوف تجد النتيجة بإذن الله.

- النية الصالحة

تدبر هذا الحديث الذي رواه أَبُو هُرَيْرَةَ  -رضي الله عنه-، عَنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-،: (( قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً، فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْ، فَإِذَا عَمِلَهَا، فَأَنَا أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا )). (8)

ومن النيات المطلوبة في هذا الشهر:

1- نية ختم القرآن لعدة مرات مع التدبر.

2- نية التوبة الصادقة من جميع الذنوب السالفة.

3- أن يكون هذا الشهر بداية انطلاقة للخير والعمل الصالح وإلى نلقى الله بإذن الله.

4- نية كسب أكبر قدر ممكن من الحسنات في هذا الشهر ففيه تضاعف الأجور والثواب.

5- نية تصحيح السلوك والخلق والمعاملة الحسنة لجميع الناس.

6- نية العمل لهذا الدين ونشره بين الناس مستغلاً روحانية هذا الشهر.

قال ابن الجوزي -رحمه الله-: إِن هَمَمْت فبادر وَإِن عزمت فثابر وَاعْلَم أَنه لَا يدْرك المفاخر من رَضِي بالصف الآخر.

قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز -رحمه الله-: إنَّ لي نفسا تواقة لم تزل تتوق إِلَى الْإِمَارَة فَلَمَّا نلتها تاقت إِلَى الْخلَافَة فَلَمَّا نلتها تاقت إِلَى الْجنَّة. (9)

كثرة الاستغفار والذكر

قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا } [نوح: 10، 12]

يقول ابن كثير: وَمَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، وَسَهَّلَ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَحَفِظَ عَلَيْهِ شَأْنَهُ وَقُوَّتَهُ. (10)

سئل الشيخ الشنقيطي: بماذا تنصحني باستقبال مواسم الطاعات؟

فقال: خير ما تستقبل به مواسم الطاعات " كثرة الاستغفار " لأن ذنوب العبد تحرمه التوفيق، وما لزم عبد قلبه الاستغفار إلا  زكي وإن كان ضعيفا قوي وإن كان مريضا شفي وإن كان مبتلى عفي وإن كان محتارا هدي وإن كان مضطربا سكن وإن الاستغفار هو الأمان الباقي لنا بعد رسول -صلى الله عليه وسلم-

- المداومة على الدعاء قبل مجيء رمضان

اللهم بلغنا رمضان

قال يحيى بن أبي كثير -رحمه الله- كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني متقبلا. (11)

اللهُم بلغنا شهر رمضان بعظيَم غفرَانك، وواسع رَحَمتك

---

(1) رواه أبو داود (2431)، والنسائي (2671)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 848).

(2) رواه البخاري (1969) ومسلم (1156)

(3) رواه البخاري (1970) ومسلم (1156)

(4) رواه النسائي (2678) وحسنه الألباني في إرواء الغليل(4/ 103)

(5) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 128)

(6) سبل السلام (1/ 583)

(7) رواه أحمد (4/ 107) والطبراني في الأوسط (3740) وحسنه الألباني في الصحيحة (4/ 104)

(8) رواه مسلم (129)

(9) المدهش (ص: 228)

(10)  تفسير ابن كثير (4/ 329).

(11) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 148)