الأمنيات بين الممنوع والمشروع

الأمنيات بين الممنوع والمشروع

عناصر الخطبة

تعريف الأمنيات

الأمنيات  بين المشروع والممنوع

الأسباب التي تعين المرء على إدراك ما يتمنى

لِلْمَرْءِ مَعَ نَفْسِهِ أَسْرَارٌ وَأُمْنِيَاتٌ، وَتَطَلُّعٌ وَطُمُوحَاتٌ، فَمَا مِنْ عَبْدٍ إِلَّا وَقَدْ طَافَ فِي هَاجِسِهِ أَلْوَانٌ مِنَ الأَمَانِي، تَخْتَلِفُ صُوَرُهَا بِاخْتِلَافِ أَهْلِهَا وَأَحْوَالِهِمْ. . . فَالحَدِيثُ عَن الأمنياتِ هُوَ فِي الحَقِيقَةِ حَدِيثٌ عَنِ الحَيَاةِ، حَدِيثٌ عَنْ وَاقِعٍ لَيْسَ بِخَيَالٍ، فَالمَرِيضُ يَتَمَنَّى الصِّحَّةَ، وَالفَقِيرُ يَتَمَنَّى الغِنَى، وَالطَّالِبُ يَطْمَحُ لِلشَّهَادَةِ وَالوَظِيفَةِ بَعْدَهَا، هَذَا يَتَطَلَّعُ لِلْمَسْكَنِ الوَاسِعِ، وَذَاكَ يُمَنِّي نَفْسَهُ بِالمَرْكَبِ الفَاخِرِ، وَآخَرُ تَمْتَدُّ عَيْنُهُ لِلْمَنْصِبِ العَالِي.

أَمَانِيُّ وَأَمَانِيُّ لَا تَنْقَطِعُ عَنْ أَهْلِهَا، وَهُمْ فِيهَا مَا بَيْنَ مُسْتَقِلٍّ وَمُسْتَكْثِرٍ؛ مُسْتَقِلٌّ لَا يَقْنَعُ، وَمُسْتَكْثِرٌ لَا يَشْبَعُ، عن جَابِر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادٍ مِنْ نَخْلٍ تَمَنَّى مِثْلَهُ، ثُمَّ تَمَنَّى مِثْلَهُ، حَتَّى يَتَمَنَّى أَوْدِيَةً، وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ )). (1)

عن عبد الله بْن الزُّبَيْرِ -رضي الله عنه-، أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (( لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ أُعْطِيَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَانِيًا، وَلَوْ أُعْطِيَ ثَانِيًا أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَالِثًا، وَلاَ يَسُدُّ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ )). (2)

وَلِأَهَمِّيَّةِ هَذَا المَوْضُوعِ أَفْرَدَهُ عُلَمَاؤُنَا بِالتَّأْلِيفِ، وَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ كِتَابَ التَّمَنِّي فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ فقد ذكر فيه ما يشفي ويكفي.

فَبِالْأَمَانِي تَتَسَلَّى النُّفُوسُ، وَتَتَحَفَّزُ الهِمَمُ، وَيُبْنَى التَّفَاؤُلُ، وَيُصْنَعُ الأَمَلُ.

أُعَلِّلُ النَّفْسَ بِالْآمَالِ أَرْقُبُهَا            مَا أَضْيَقَ العَيْشَ لَوْلَا فُسْحَةُ الأَمَلِ

المحور الأول: تعريف الأماني و الفرق بين التمني والترجي

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: التَّمَنِّي إِرَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ كَانَتْ فِي خَيْرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِحَسَدٍ فَهِيَ مَطْلُوبَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ مَذْمُومَةٌ، وبَيْنَ التَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي عُمُومًا وَخُصُوصًا فَالتَّرَجِّي فِي الْمُمْكِنِ وَالتَّمَنِّي فِي أَعَمِّ مِنْ ذَلِكَ. (3)

- مستودع الأمنيات

والقَلْبُ مُسْتَوْدَعُ الأَمَانِي، فَبِسَلَامَتِهِ أَوْ مَرَضِهِ تَصْلُحُ الأَمَانِيُّ أَوْ تَفْسُدُ؛ وَفِي الحَدِيثِ: (( وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى )). (4)

قال مَالِك بْن دِينَارٍ -رحمه الله-: إِنَّ الْأَبْرَارَ تَغْلِي قُلُوبُهُمْ بِأَعْمَالِ الْبِرِّ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ تَغْلِي قُلُوبُهُمْ بِأَعْمَالِ الْفُجُورِ، وَاللَّهُ يَرَى هُمُومَكُمْ فَانْظُرُوا مَا هُمُومُكُمْ رَحِمَكُمُ اللَّهُ. (5)

- الأَمَانِيّ سِلَاح ذُو حَدَّين

 فَإِنْ تَمَنَّى العَبْدُ الخَيْرَ وَالمَعْرُوفَ، فَهِيَ حَسَنَاتٌ صَالِحَاتٌ، وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْهَا جَوَارِحُهُ، وَإِنْ تَمَنَّى الإِثْمَ وَالسُّوءَ فَهِيَ أَوْزَارٌ فِي صَحِيفَتِهِ وَشَقَاءٌ لَمْ يَعْمَلْهُ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا وَذَاكَ  حديث أَبِي كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ  -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-  يَقُولُ: (( إنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، وَذَكَرَ مِنْهُمْ: وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ (أي من الخير ) فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ،. . . . . وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ ( أي من السوء) فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ )). (6)

ويُسْتَحَبُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ تَمَنِّي الصَّالِحَاتِ معَ السَّعْيَ في تحصيلها، فَكَرَمُ رَبِّهِ خَيْرٌ وَفضله لا حدَّ له، فعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (( إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَكْثِرْ؛ فَإِنَّمَا يَسْأَلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ )). (7)

قال ابن بطال: وقد تمنى الصالحون ما يمكن كونه وما لا يمكن حرصًا منهم على الخير. (8)

المحور الثاني: الأمنيات بين المشروع والممنوع

الأماني منها المشروع ومنها الممنوع وكلٌّ بحسبه

أولاً: أمنيات ممنوعة شرعًا

هناك أُمْنِيَاتٌ مَحْظُورَةٌ نَهَى عَنْهَا الشَّرْعُ، فَوَاجِبٌ إغلاق القُلُوبِ دُونَهَا؛ حَتَّى لَا تَتَسَرَّبَ إِلَى ذاتِ الصُّدُورِ، ومِنْ هَذِهِ الأَمَانِيِّ:

1- تَمني الموْت إلا لِخَوْفِ فِتْنَةِ فِي الدِّينِ

 فَهَذَا مِمَّا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-  كما في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (( لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي )). (9)

وعلل النهي في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: (( لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ المَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ )). (10)

2- تمني لقاء الأَعْدَاءِ

 عن عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما-، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا. . . )). (11)

قال ابن الجوزي -رحمه الله-: لأَن تمني لِقَاء الْعَدو يتَضَمَّن أَمريْن: أَحدهمَا: استدعاء الْبلَاء. وَالثَّانِي: ادِّعَاء الصَّبْر، وَمَا يدْرِي الْإِنْسَان كَيفَ يكون صبره على الْبلَاء. (12)

3 - تمنى زَوالِ النِّعْمةِ عن الغَيْر

وهذه صِفَةٌ مذمومة، ذَمَّهَا القُرْآنُ، وَنَهَى عَنْهَا، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا من خِصَالُ اليَهُود؛ قال تعالى { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النساء: 54] وقال سبحانه { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109].

وقال تعالى مخاطبا أهل الإيمان: { وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [النساء: 32]

نَزَلَتْ هذه الآية فِي النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي مَا لِفُلَانٍ، أن يقول الرَّجُلُ: لَيْتَ لَوْ أَنَّ لِي مَالَ فُلَانٍ وَأَهْلَهُ! فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يَسْأَلُ اللَّهَ مَنْ فَضْلِهِ.

 وَكذلك نزلتْ في تَمَنِّي النِّسَاءِ أَنْ يَكُنَّ رِجَالًا فَيَغْزُونَ. (13)

ثانيا: أمنيات أثنى عليها الشرع

هذه أُمْنِيَاتٌ أُخْرَى أَثْنَى عَلَيْهَا الشَّرْعُ، فَامْتِثَالُهَا وَالسَّعْيُ لِبُلُوغِهَا مِنَ المُسْتَحَبَّاتِ

المُؤَكَّدَةِ من هذه الأُمنيات:

1- تمني الشهادة في سبيلِ الله

 وقد تمنى ذلك إمام الشجعان -صلى الله عليه وسلم-، فعن أَبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنَّ رِجَالًا مِنَ المُؤْمِنِينَ لاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ )). (14)

فقد كَانَ -صلى الله عليه وسلم-  يتَمَنَّى من أَفعَال الْخَيْر مَا يعلم أَنه لَا يُعطاه، حرصاً مِنْهُ على الْوُصُول إِلَى أَعلَى دَرَجَات الشَّاكِرِينَ، وبذلاً لنَفسِهِ فِي مرضاة ربه، وإعلاء كلمة دينه، ورغبته فِي الازدياد من ثَوَاب ربه، ولتتأسي بِهِ أمته فِي ذَلِك، وَقد يُثَاب الْمَرْء على نِيَّته. (15)

2- تمني تعلم القرآن والقيام بحقه  وبذل  الوسع  في  تحصيل  ذلك

من الأمنياتِ المستحبِّةِ أن يتمنى المرءُ أن يكون من أهلِ القرآنِ ليحيا به آناءَ الليل والنهار، أو يكون من أهلِ الثراء، ليبذلَ نعمةَ المالِ في وجوه البرِ والإحسان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ، فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الحَقِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ )). (16)

قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْحَسَدُ قِسْمَانِ حَقِيقِيٌّ وَمَجَازِيٌّ:

 فَالْحَقِيقِيُّ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا وَهَذَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مَعَ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا الْمَجَازِيُّ فَهُوَ الْغِبْطَةُ وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَ النِّعْمَةِ الَّتِي عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ زَوَالِهَا عَنْ صَاحِبِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا كَانَتْ مُبَاحَةً وَإِنْ كَانَتْ طَاعَةً فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ. (17)

3- تمني الغنى وسعة العيش

ومن الأماني المشروعة: أن يتمنى المسلمُ الغنى فراراً من الفقر، فمع الغنى تكون الصدقة، ويكون البذل، يُسْأَل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: (( أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ )). (18)

4- تمني الخير والهداية للناس

ومن الأماني المستحبة: أن يتمنى العبدُ هدايةَ الناسِ وحصولَ الخيرِ لهم، ولَقَدْ قَصَّ عَلَيْنَا القُرْآنُ خَبَرَ ذَلِكَ الرَّجْلِ الَّذِي جَاءَ مِنْ أَقْصَى المَدِينَةِ يَسْعَى، نَاصِحًا لِقَوْمِهِ، مُشْفِقًا عَلَيْهِمْ، يُنَادِيهِمْ: { يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ } [يس: 20، 21]

 فَلَمَّا قَتَلَهُ قَوْمُهُ وَأَكْرَمَهُ رَبُّهُ بِالجَنَّةِ، قَالَ مُتَمَنِّيًا حَتَّى بَعْدَ مَوْتِهِ: { يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ } [يس: 26، 27]

وكان من هذه الأمة من حاله كذلك فقد قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: وَدِدْتُ أَنَّ هَذَا الْخَلْقَ أَطَاعُوا اللَّهَ وَإِنَّ لَحْمِي قُرِضَ بِالْمَقَارِيضِ.

 وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ -رحمه الله- يَقُولُ: يَا لَيْتَنِي عَمِلْتُ فِيكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَعَمِلْتُمْ بِهِ،

فَكُلَّمَا عَمِلْتُ فِيكُمْ بِسُنَّةٍ، وَقَعَ مِنِّي عُضْوٌ حَتَّى يَكُونَ آخَرَ شَيْءٍ مِنْهَا خُرُوجُ نَفْسِي. (19)

المحور الثالث: الأسباب التي تعين المرء على إدراك ما يتمنى

مَا كُلُّ مَا يَتَمَنىَّ المَرْءُ يُدْرِكُهُ              تَأْتي الرِّيَاحُ بِمَا لاَ تَشْتَهِي السُّفُنُ

فَقَدْ يَتَمَنَّى العَبْدُ أُمْنِيَاتٍ وَأُمْنِيَاتٍ لَا يَبْلُغُهُنَّ، لَكِنْ هُنَاكَ أَسْبَابٌ تُعِينُ عَلَى بُلُوغِ الأَمَانِي، وَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا؛ سَوَاءٌ أَكَانَتْ هَذِهِ الأُمْنِيَاتُ دُنْيَوِيَّة، أَمْ مِمَّا يُرَادُ بِهِ ثَوَابَ الآخِرَةِ.

فَمِنَ الأسباب المُعِينَةِ عَلَى إِدْرَاكِ الأُمْنِيَاتِ:

أول الأسباب: طلب العون من الله والتبرؤ من الحول والقوة

إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى. . . فأول ما يجني عليه اجتهاده

قال الله تعالى عن نبيه شعيب عليه السلام { وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88]

وعَنِ البَرَاءِ -رضي الله عنه-، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-  يَوْمَ الخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ اللَّهِ

اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا. . . وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا

فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا. . . وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا

إِنَّ الأَعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا. . . إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا

يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ. (20)

وأوصى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- معاذَ بن جبل -رضي الله عنه- أن يقول في دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ: (( اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )). (21)

السبب الثاني: الهمة العالية والعزيمة الصادقة

فلابد أَنْ يَكُونَ المَرْءُ جَادًّا فِي تَحْقِيقِ مَا تَمَنَّى، عَازِمًا لِلْوُصُولِ إِلَى هَدَفِهِ، فصاحب الهمة العالية والنفس الشريفة التواقة لا يرضى بالأشياء الدنية الفانية وإنما همته المسابقة إلى الدرجات الباقية الزاكية التي لا تفنى ولا يرجع عن مطلوبه ولو تلفت نفسه في طلبه، ومن كان في الله تلفه كان على الله خلفه.(22)

قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-  لدُكين لما جاءه: يا دُكين، إن لي نفسًا توَّاقة، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نلتها تاقت إلى الخلافة، فلما نِلتها تاقت إلى الجنة. (23)

السبب الثالث: الصبر وطول النفس

قال تعالى: { وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ } [القصص: 80]

وقال سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10]

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنهما-، (( واعلم أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)). (24) 

فلابد مِنَ الصَّبْرِ وَالإِصْرَارِ وَالثَّبَاتِ عَلَى الطَّرِيقِ حَتَّى يَبْلُغَ المَرْءُ مُنَاهُ.

وَإِذَا تَحَلَّى العَبْدُ بِالجِدِّ وَالعَزْمِ، وَتَدَثَّرَ بِالصَّبْرِ وَالإِصْرَارِ، وَصَلَ بَعْدَ تَوْفِيقِ اللهِ إِلَى مُبْتَغَاهُ.

السبب الرابع: أن يستحضر  ما يتمناه أهل السعادة في الجنة ليعمل بعملهم ويسلك طريقهم

- فَأَقَلُّ أَهْلِ السَّعَادَةِ مَنْزِلَةً هُوَ آخِرُ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا، يَدْخُلُ الجَنَّةَ وَقَدْ فُتحت لَهُ وَتَزَيَّنَتْ، فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: تَمَنَّ، فَيَتَمَنَّى العَبْدُ وَيَتَمَنَّى، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ بِهِ الأَمَانِيُّ قَالَ اللهُ لَهُ: (( ذَلِكَ لَكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ )). (25)

- وَصِنْفٌ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ بَاعُوا أَنْفُسَهُمْ للهِ، فَوَدَّعُوا دُنْيَاهُمْ شَهَادَةً فِي سَبِيلِ اللهِ، فَيَرَوْنَ مِنَ الكَرَامَةِ وَحُسْنِ الحَفَاوَةِ مِنْ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَنِ مَا يَجْعَلُهُمْ يَتَمَنَّوْنَ وَيَتَمَنَّوْنَ، يَتَمَنَّوْنَ مَاذَا؟ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ تُرَدَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، حَتَّى يُقْتَلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ مَرَّةً أُخْرَى، عن أَنَس بْن مَالِكٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (( مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ )). (26)

السبب الخامس: أن يتذكر ما يتمناه أهل الشقاء في الآخرة  ليحذر من حالهم

- إِذَا رَأَى كُلُّ إِنْسَانٍ عَمَلَهُ وَمَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ يوم القيامة، قَالَ الكَافِرُ وتمنى أن يكون ترابا  قال تعالى: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} [النبأ: 40]

- وَصِنْفٌ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ يَتَحَسَّرُ عَلَى الصحبة التي لَمْ تُبْنَ عَلَى مَرْضَاةِ اللهِ، فَيُنَادِي: { يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا } [الفرقان: 28].

- وَحِينَ يَرَى أَهْلُ الشَّقَاءِ العَذَابَ رَأْيَ العَيْنِ يَتَمَنَّوْنَ؛ { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 27].

- حَتَّى إِذَا دَخَلُوا دَارَ الشَّقَاءِ وَالبُؤْسِ وَالنَّكَالِ، وَذَاقُوا مَسَّ سَقَرٍ، تَمَنَّوْا حِينَهَا؛ { يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا } [الأحزاب: 66]   إِنَّهَا زَفَرَاتٌ وَحَسَرَاتٌ وَأُمْنِيَاتٌ، وَلَكِنْ لا تنفع حين ذلك الحسرات ولا تُدرك الأمنيات {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: 54]

السبب السادس: النظر في أمنيات أسلافنا الصالحين والتأسي  بهم حِينَ نُقَلِّبُ سِيَرَ سَلَفِنَا وَصَالِحِي أُمَّتِنَا، نَرَاهُمْ قَدْ تَمَنَّوْا وَحَدَّثُوا غَيْرَهُمْ بِمَا يَدُورُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنَ الطُّمُوحَاتِ وَالتَّطَلُّعَاتِ، فَهذه  فِي أَخْبَارِهِمْ مَعَ الأَمَانِيِّ.

هَذَا رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبٍ الأَسْلَمِيُّ يَتَمَنَّى مُرَافَقَةَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الجَنَّةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- (( فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ )). (27)

وَأَمَّا فَارُوقُ الأُمَّةِ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ -رضي الله عنه- فَقَدْ اجْتَمَعَ بِأَصْحَابِهِ يَوْمًا فَقَالَ لَهُمْ: تَمَنَّوْا؟ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَةٌ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ عُمَرُ: تَمَنَّوْا؟ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَةٌ لُؤْلُؤًا وَجَوْهَرًا أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَلَكِنِّي أَتَمَنَّى رِجَالًا مِلْءَ هَذِهِ الدَّارِ مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، أَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَةِ اللهِ. (28)

فأصحاب النفوس الكبيرة يتمنَّون بعقولهم وبإيمانهم وليس بشهواتهم.

وَداخلِ الحِجْرِ يَجْتَمِعُ صَحَابِيَّانِ وَتَابِعِيَّانِ: عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُاللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالُوا تَمَنَّوْا؟ قَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى الخِلَافَةَ، وَقَالَ عُرْوَةُ أَخُوهُ: أَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى أَنْ يُؤْخَذَ عَنِّي العِلْمُ، وَقَالَ الأَخُ الثَّالِثُ مُصْعَبٌ: وَأَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى إِمَارَةَ العِرَاقِ، وَالجَمْعَ بَيْنَ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ وَسُكَيْنَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ، وَقَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ: وَأَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى مَغْفِرَةَ اللهِ.

وَبِصِدْقِ عَزِيمَةِ هَؤُلَاءِ وَعُلُوِّ هِمَّتِهِمْ، تَقَلَّدَ عَبْدُاللهِ بْنُ الزُّبَيرِ الخِلَافَةَ، وَأَخِذَ عَنْ عُرْوَةَ العِلْمُ حَتَّى عُدَّ فِي الفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَتَوَلَّى مُصْعَبٌ إِمَارَةَ العِرَاقِ، وَتَزَوَّجَ سُكَيْنَةَ بِنْتَ الحُسَيْنِ، وَبَقِيَتْ أُمْنِيَةُ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ يَنْتَظِرُهَا عِنْدَ رَبِّهِ تَعَالَى.

قال الذهبي -رحمه الله-: فَنَالُوا مَا تَمَنَّوْا، وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ غُفِرَ لَهُ. (29)

وقال الرَّبِيع بن سليمان سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنَّ الْخَلْقَ تَعَلَّمُوا هَذَا الْعِلْمَ عَلَى أَنْ لَا يُنْسَبَ إلَيَّ حَرْفٌ مِنْهُ. (30)

- وأخيرا تذكر فجأة الموت وما للأموات من أمنيات

نَعَمْ يَتَمَنَّى الأَمْوَاتُ أُمْنِيَاتٍ، وَلَكِنَّهَا أُمْنِيَاتٌ مَنْسِيَّةٌ وَرَغَبَاتٌ غَيْرُ مَقْضِيَّةٍ.

فَأَوَّلُ مَا يَتَمَنَّاهُ المَوْتَى هُوَ الرُّجُوعُ إِلَى الدُّنْيَا، لَا لِيَسْتَكْثِرُوا مِنْهَا، وَلَا لِيُزَاحِمُوا عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا لِيَعْمَلُوا فِيهَا صَالِحًا؛ {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [المؤمنون: 99، 100]

وَمِنْ أَعْظَمِ الصَّالِحَاتِ الَّتِي يَتَمَنَّاهَا المَوْتَى هَذِهِ الصَّلَاةُ، الَّتِي طَالَمَا قَصَّرْنَا فِي أَدَائِهَا، وَفَرَّطْنَا كَثِيرًا فِي نَوَافِلِهَا. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  -رضي الله عنه- قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى قَبْرٍ دُفِنَ حَدِيثًا فَقَالَ: (( رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ مِمَّا تَحْقِرُونَ وَتَنْفِلُونَ يَزِيدُهُمَا هَذَا فِي عَمَلِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ)). (31)

- وَمِمَّا يَتَمَنَّاهُ الأَمْوَاتُ مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ: الصَّدَقَةُ، تِلْكَ الحَسَنَةُ الَّتِي وَعَدَ اللهُ بِمُضَاعَفَتِهَا أَضْعَافًا كَثِيرَةً؛ يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 10، 11]

فَيَا مَنْ يَمْلِكُ نِعْمَةَ الحَيَاةِ، هَذَا خَبَرُ مَنْ سَبَقَكَ لِكَأْسِ المَنُونِ، هَا أَنْتَ فِي زَمَنِ الإِمْهَالِ، وَدَارِ العَمَلِ الَّتِي يَتَمَنَّاهَا غَيْرُكَ، فَالغَنِيمَةَ الغَنِيمَةَ، اغْتَنِمْ صِحَّتَكَ وَفَرَاغَكَ فِيمَا تَبْنِيهِ غَدًا هُنَاكَ.

اللَّهُمَّ وَقِّفْنَا لِلاسْتِعْدَادِ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الغَافِلِينَ، وَلَا عِنْدَ فِرَاقِ دُنْيَانَا النَّادِمِينَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.

---

(1) رواه أحمد (3/ 341) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 936)

(2) رواه البخاري (6438)

(3) فتح الباري لابن حجر (13/ 217)

(4) رواه مسلم (2657) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

(5) الهم والحزن لابن أبي الدنيا (ص: 76)

(6) رواه أحمد (4/ 231) والترمذي (2325) وغيرهما وهو صحيح بطرقه وشواهده وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/ 581)

(7) رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (1497) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1266)

(8) شرح صحيح البخاري لابن بطال (10/ 287)

(9) رواه البخاري (5671) ومسلم (2680)

(10) رواه البخاري (7235)

(11) رواه البخاري (2966) ومسلم (1742)

(12) كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 429)

(13) تفسير ابن كثير (2/ 287)

(14) رواه البخاري (2797)

(15) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (14/ 96)

(16) رواه البخاري (5026)

(17) شرح النووي على مسلم (6/ 97)

(18) رواه البخاري (1419) ومسلم (1032) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

(19) جامع العلوم والحكم (1/ 223)

(20) رواه البخاري (3034) ومسلم (1802)

(21) رواه أبو داود (1522) وصححه الألباني في  صحيح أبي داود (5/ 253)

(22) لطائف المعارف لابن رجب (ص: 244)

(23) عيون الأخبار (1/ 334)

(24) رواه أحمد (1/ 307) وصححه الألباني في صحيح الجامع(2/ 1151)

(25) رواه البخاري (806) ومسلم (182) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-

(26) رواه البخاري (2817) ومسلم (1877)

(27) رواه مسلم (489)

(28) رواه الحاكم في المستدرك (3/ 252) مناقب أبي عبيدة ، وإسناد رجاله ثقات غير أن عبد الله بن أبي نجيح المكي لم يدرك عمر وليس له رواية عن أحد من الصحابة.

(29) سير أعلام النبلاء (4/ 141)

(30) المجموع شرح المهذب (1/ 12)

(31) رواه ابن المبارك في الزهد (1/ 10) والطبراني في الأوسط (920) وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 660)