أسباب تحصيل البركة
ما يَمحَــقُ البركة ويُذهِبُها كيف نُحصِّل البركة؟.
إن المرء ليعجب أشد العجب من حال السلف، وعِظَم ما أنجزوه وصنفوه، حتى إن الإنسان لو أفنى حياته في قراءة ما كتبوه ودونوه بأيديهم ما أستطاع أن ينهيه؛ فكيف بدراسته وحفظه وفهمه وتعليمه لغيره؟!.
ولعل السر في ذلك وهو ما لا يعرفه الكثير منا هو حصول البركة في حياتهم وبيوتهم وأوقاتهم وتمكنها في جميع شئونهم. فكان الصحابي الجليل والخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يقرأ القرءان كاملًا في ركعة واحدة في ليلة(1) ، وتعلَّم زيد بن ثابت-رضي الله عنه- لغة يهود في خمسة عشر يومًا(2)، ومن ذلك أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية يقول عنه تلميذه ابن القيم: "وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سَنَنِهِ وكلامِه وإقدامِه وكتابِه أمراً عجيباً، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر"(3) . وهذا والله من العجب، كيف استطاع شيخ الإسلام تحصيل ذلك في أوقات قليلة مقارنة بغيره دون أن يكون معه ما معنا اليوم من الوسائل الحديثة من إنترنت وكتب و مكتبات ومجلات وأبحاث وغير ذلك، ولا شك أن ذلك من البركة في الوقت والعمل، وَلَيْسَتْ سَعَةُ الرِّزْقِ وَالْعَمَلِ بِكَثْرَتِهِ، وَلَا طُولُ الْعُمُرِ بِكَثْرَةِ الشُّهُورِ وَالْأَعْوَامِ، وَلَكِنَّ سَعَةَ الرِّزْقِ وَطُولَ الْعُمُرِ بِالْبَرَكَةِ فِيهِ. ولقد أطل علينا زمان تغيب منه البركة في الأوقات، والأعمال، والأرزاق، والأموال، بل غابت البركة عن الأهل والبيوت، فتجد الكثير يشتكي "البيت فيه كثير خير ولا نشعر فيه بسعادة ولا متعة"، فلا تكاد تجد بركة في مال ولا ولد ولا زوجة ولا دار. وقد تجد الجل يدخل أحد الأسواق وجيبه ملئ بالمال فيخرج منه صفر اليدين دون أن يشترى منه ما يريد والله المستعان.
لذا كثرت الأسئلة في هذا أين الحياة الطيبة؟! وأين العيشة الهنية؟!. . . أين البركة؟!.
ومعنى البركة: الزيادة والنماء(4) . وقال الفراء في قول الله تعالى: {رحمت الله وبركاته عليكم}[هود: 73] قال: البركات: السعادة. وقال أبو منصور: وكذلك قوله في التشهد: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، لأن من أسعده الله بما أسعد به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد نال السعادة، المباركة الدائمة(5) .
وقال ابن الأثير في معنى: ((وبارك على محمد وعلى آل محمد)) أي: أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة(6) .
ما يَمحَــقُ البركة ويُذهِبُها؟
إن الخيرَ كلُّ الخير في طاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد جرت عادة الله وسنته في خلقه أن من حادَ عن شرع الله ودينه أن يمحق بركة علمه وعمره ودينه ودنياه إن فعل ذلك(7) .
ومعنى المَحق: قال الليث: المحق: النقصان وذهاب البركة. وقال ابن الأعرابي: المحق: أن يذهب الشيء كله حتى لا يرى منه شيء، ومنه قول الله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا }[البقرة: 276]
أي: يستأصل الله الربا فيذهب ريعه وبركته(8) .
ومن الأسباب التي تمحق البركة:
1-كثرة الذنوب والمعاصي:
قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }[الشورى: 30]
وقال سبحانه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الروم: 41]
قال ابن القيم: "وَلَمْ تَزَلْ أَعْمَالُ بَنِي آدَمَ وَمُخَالَفَتُهُمْ لِلرُّسُلِ تُحْدِثُ لَهُمْ مِنَ الْفَسَادِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ مَا يَجْلِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْآلَامِ، وَالْأَمْرَاضِ، وَالْأَسْقَامِ، وَالطَّوَاعِينِ، وَالْقُحُوطِ، وَالْجُدُوبِ، وَسَلْبِ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، وَثِمَارِهَا، وَنَبَاتِهَا، وَسَلْبِ مَنَافِعِهَا، أَوْ نُقْصَانِهَا أُمُورًا مُتَتَابِعَةً يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا، وَمِنْ عُقُوبَةِ المعاصي: أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الْعُمُرِ، وَبَرَكَةَ الرِّزْقِ، وَبَرَكَةَ الْعِلْمِ، وَبَرَكَةَ الْعَمَلِ، وَبَرَكَةَ الطَّاعَةِ. وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، فَلَا تَجِدُ أَقَلَّ بَرَكَةٍ فِي عُمُرِهِ وَدِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِمَّنْ عَصَى اللَّهَ، وَمَا مُحِقَتِ الْبَرَكَةُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا بِمَعَاصِي الْخَلْقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }[الأعراف: 96](9) .
قال ابن كثير: "قوله تعالى: {وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أي: ولكن كذبوا رسلهم، فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم"(10) .
2- الحرص وكثرة الطمع والرغبة في الدنيا:
عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى))(11) .
قال ابن حجر: "قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((خضرة حلوة)) شبهه-المال-للرغبة فيه والميل إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء المستلذة فإن الأخضر مرغوب فيه على انفراده بالنسبة إلى اليابس والحلو مرغوب فيه على انفراده بالنسبة للحامض فالإعجاب بهما إذا اجتمعا أشد.
وقال ابن أبي جمرة في حديث حكيم -رضي الله عنه- فوائد منها: " أن فيه ضُرِب المثلُ لما لا يعقله السامع من الأمثلة لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير فبين بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق الله تعالى وضرب لهم المثل بما يعهدون فالآكل إنما يأكل ليشبع فإذا أكل ولم يشبع كان عناء في حقه بغير فائدة وكذلك المال ليست الفائدة في عينه وإنما هي لما يتحصل به من المنافع فإذا كثر عند المرء بغير تحصيل منفعة كان وجوده كالعدم"(12) .
3-ومما يذهب البركة البعد عن أسباب تحصيل البركة.
كيف نُحصِّل البركة؟
إن البركة كلها من الله كما أن الرزق من الله؛ فلا تطلب البركة إلا من الله؛ ويدل على هذا قوله تعالى: { قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ}[هود: 48]
وقوله: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}[هود: 73]
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسعُود-رضي الله عنه-، قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ الآيَاتِ بَرَكَةً، وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا، وفي الحديث أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((البَرَكَةُ مِنَ اللَّه))(13) . وفي هذا إشارة إلى أن الإِيَجادَ للبركة من الله سبحانه. فالله عز وجل هو الذي يجعل البركة فيما يشاء وفيمن يشاء كما قال سبحانه: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ }[الأنبياء: 71]، ويبارك على من يشاء كما قال عن إبراهيم -عليه السلام-: {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ} [الصافات: 113]، وإذا كانت البركة من الله فطلبها من غيره شرك(14) . وَإِن بركَة الرجل تَعْلِيمه للخير حَيْثُ حل ونصحه لكل من اجْتمع بِهِ كما قَالَ الله تَعَالَى إِخْبَارًا عَن الْمَسِيح: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْن مَا كنت} أَي معلمًا للخير دَاعيًا إِلَى الله مذكرًا بِهِ مرغبًا فِي طَاعَته فَهَذَا من بركَة الرجل وَمن خلا من هَذَا فقد خلا من الْبركَة ومحقت بركَة لِقَائِه والاجتماع بِهِ بل تمحق بركَة من لقِيه وَاجْتمعَ بِهِ، وَالله تَعَالَى متبارك لِأَن الْبركَة كلهَا مِنْهُ {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً}[الفرقان: 1](15) .
ومن الأسباب التي تجلب البركة على المرء وأهله وبيته وعمله ووقته ورزقه:
1-تقوى الله عز وجل:
قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96] قرأ ابن عامر: لفتحنا- بتشديد التاء- وهو يفيد المبالغة، والبركات: جمع بركة، والمقصود من الجمع تعددها، باعتبار تعدد أصناف الأشياء المباركة(16) .
والمعنى: لوسّعنا عليهم الخيرَ ويسّرناه لهم من كل جانبٍ.
وقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2، 3]
وقال عز وجل: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: 16]
فكلها نصوص على أن الأمة إذا استقامت على الطريقة القويمة شرعة الله لفتح عليهم بركات من السماء والأرض(17) .
2-قراءة القرءان:
قال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الأنعام: 155]
وقال عز وجل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]
قال الألوسي: "قوله سبحانه: {مُبارَكٌ }أي كثير الفائدة والنفع لاشتماله على منافع الدارين وعلوم الأولين والآخرين صفة بعد صفة"(18) .
عَن أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ-رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ: السَّحَرَةُ(19) .
3- بر الوالدين وصلة الرحم:
وهما من أعظم الأسباب التي تستجلب البركة في العمر والمال والأهل والأبناء والرزق، فالبر من أحب الأعمال إلي الله وأفضلها كما أخبر بذلك الصادق المصدوق-صلى الله عليه وسلم- لما سئل: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((الصَّلاَةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الوَالِدَيْنِ، ثُمَّ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))(20) .
ثم إن البر والصلة متصلة بالله عز وجل من وصل رحمه وصله الله ومن قطعها قطعه الله، ومن أراد أن يبارك له في عمره ورزقه فليصل رحمه.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله-صلى الله عليه وسلم- يقول: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ))(21) .
ومعنى البسط في رزقه هو البركة؛ لأن صلته أقاربه صدقة، والصدقة تُربى المال وتزيد فيه، وبسط الرزق توسيعه وكثرته وقيل البركة فيه(22) .
4- التبكير في طلب الرزق:
عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ-رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكورِها) قَالَ: وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَأَصَابَ مالاً(23) .
قال ابن حجر: "وإنما خص البكور بالبركة لكونه وقت النشاط والقوة"(24) .
وقال العجلوني: "العقل بكرة النهار يكون أكمل منه وأحسن تصرفا منه في آخره، ومن ثم ينبغي التبكير لطلب العلم ونحوه من المهمات"(25) .
5- إقامة الصلاة في وقتها:
قال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } [طه: 132]
قال ابن كثير: " وقوله: {لا نسألك رزقا نحن نرزقك} يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب"(26) .
6- التوكل على الله:
قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } [الطلاق: 3]
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ-رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم-: ((لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا))(27) .
قال ابن رجب: " وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي التَّوَكُّلِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يُسْتَجْلَبُ بِهَا الرِّزْقُ"(28).
7- دوام الاستغفار:
قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}[نوح: 11، 12]
عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نَسْتَسْقِي فَمَا زَادَ عَلَى الاسْتِغْفَارِ(29) .
8- السلام على الأهل:
قال سبحانه: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً}[النور: 61]
قوله تعالى: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي: قد شرعها لكم، وجعلها تحيتكم، {مُبَارَكَةً} لاشتمالها على السلامة من النقص، وحصول الرحمة والبركة والنماء والزيادة، {طَيِّبَةً} لأنها من الكلم الطيب المحبوب عند الله، الذي فيه طيب نفس للمحيا، ومحبة وجلب مودة.
وإنما كانت هذه التحية مباركة لما فيها من نية المسالمة وحسن اللقاء والمخالطة وذلك يوفر خير الأخوة الإسلامية(30) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- : يَا بُنَيَّ إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَسَلِّمْ يَكُونُ بَرَكَةً عَلَيْكَ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ(31) .
وقال عَطَاءُ: "إذَا دَخَلْت عَلَى أَهْلِكَ فَقُلْ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً"(32) .
9-طلب البركة في أماكن مباركة وأزمنة مباركة:
كالمساجد فهي أفضل البقاع لا سيما المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى. وكشهر المحرم وشهر رمضان وعشر ذي الحجة، وأيام الجمعة والاثنين والخميس، والثلث الخير من الليل وأوقات السحر، كل هذه الأوقات جاءت الأدلة على فضلها إما من الكتاب أو السنة النبوية على صاحبها أتم الصلاة والتسليم.
والحمد لله رب العالمين
---
(1) وانظر حلية الأولياء لأبي نعيم (1/ 57)، السنة لأبي بكر بن الخلال (2/ 332).
(2) انظر صحيح البخاري(7195)، فوائد أبي محمد الفاكهي (78).
(3) الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم(ص: 77).
(4) معجم العين للخليل بن أحمد(5/ 368).
(5) تهذيب اللغة للأزهري (10/ 131).
(6) النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (1/ 120).
(7) انظر إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم(4/ 134).
(8) تهذيب اللغة للأزهري (4/ 53).
(9) انظر الطب النبوي لابن القيم (ص: 275).
(10) تفسير ابن كثير (3/ 451).
(11) أخرجه النسائي في الكبرى(2393)، وابن حبان (3220) بهذا اللفظ، وصححه الألباني في التعليقات الحسان (3210). وأصل الحديث في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري(6427) لكن بلفظ آخر.
(12) وانظر فتح الباري لابن حجر (3/ 336، 337).
(13) أخرجه البخاري(3579).
(14) وانظر فتح الباري لابن حجر (6/ 592)، دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ لشحاته صقر (2/ 276).
(15) وانظر الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 73)، جلاء الأفهام (ص: 168).
(16) التحرير والتنوير لابن عاشور(9/ 21) شرح طيبة النشر لابن الجزري (ص: 223).
(17) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي (8/ 319).
(18) روح المعاني للألوسي (4/ 209).
(19) أخرجه مسلم(1825).
(20) أخرجه البخاري(7534)، ومسلم(166) من حديث ابن مسعود-رضي الله عنه-.
(21) أخرجه البخاري(2067)، ومسلم(20).
(22) شرح صحيح البخارى لابن بطال (6/ 206)، وإكمال المعلم للقاضي عياض(8/ 11).
(23) أخرجه ابن ماجه(2236)، وصححه الألباني في صحيح الجامع(1300).
(24) انظرفتح الباري لابن حجر (6/ 114).
(25) كشف الخفاء (1/ 187).
(26) تفسير ابن كثير(5/ 327).
(27) أخرجه الترمذي(2344)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير(5254).
(28) جامع العلوم والحكم لابن رجب(2/ 496).
(29) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(30100)، وقال الألباني في الإرواء(2/146) إسناده صحيح.
(30) انظر تفسير السعدي (ص: 576)، والتحرير والتنوير لابن عاشور(18/ 305).
(31) أخرجه الترمذي(2698)، قال الألباني حسن لغيره، انظر صحيح الترغيب والترهيب(1608)، وتراجعات الألباني (259).
(32) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(26334).