خصائص المجتمع الإسلامي
حال المجتمعات قبل الإسلام خصائص المجتمع الإسلامي وعوامل إصلاحه.
نماذج من المجتمع الإسلامي
حال المجتمعات قبل الإسلام:
كانت المجتمعات الإنسانية قبل الإسلام في تنازع، والدول في تناحر، وكل دولة تعتبر غيرها من جملة رعاياها مباحي الدم والنفس ليست لهم أي حقوق قبلها، وقد فرَّق المجتمعات نظام الطبقات تفريقا أذهب وحدتها وأضعف قوتها. وقد صَوَّر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حالهم، فعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ -رضي الله عنه-أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: أَلاَ إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ، مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلاَلٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ(1). فمثلاً:
فأما المجتمع الروماني: كان الرومان قد سادها نظام لا يجعل للضعيف حقاً بجوار القوى، من ذلك أن بعض الرعايا ممن ليسوا من رومانا ليس لهم حقوق الرومان.
وأما المجتمع الفارسي: ابتلى الفرس بمزدك وأتباعه وقوي أمرهم حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى صار لا يعرف الرجل منهم ولده، ولا المولود أباه، ولا يملك الرجل شيئاً مما يتمتع به.
وأما المجتمع العربي: كانت جزيرة العرب تحتوى على عدة قبائل، ولم يكن ثمة نظام جامع، ولا قانون يحكم بين هذه القبائل، شعارهم انصر أخاك ظالمًا أو مظلوما دون ضابط، حالهم كما يقول دُرَيدُ بن الصُّمَّة:
وهل أنا إلا من غزيّة إن غوتْ. . . غويتْ وإن تَرْشُدْ غزيَّة أَرشُدِ(2).
وكانت الحروب تقع بين القبائل على أتفه الأسباب، كحروب داعس والغبراء وعبس وذبيان وحرب البسوس وغيرها(3). تلك هي حال مجتمعات العالم قبل الإسلام(4).
خصائص المجتمع الإسلامي وأسس بناءه:
لقد تميز المجتمع الإسلامي عن غيره من المجتمعات بعدد من السمات جعلته بحق مجتمعاً فريداً لم تعرف البشرية مجتمعاً مثله جمع في ثناياه هذه السمات الحميدة، ليكون أنموذجاً يرتجى، ومثالاً يحتذى عند العقلاء من بني البشر، ومن هذه السمات أنه:
1- مجتمعٌ مُــوَحِّــــــد: وهذه أعظم خاصية أختص بها المجتمع الإسلامي أن مبناه على توحيد الله عز وجل ملتزماً بشرعه في كل تصرفاته، معتقد أن الله تعالى هو الخالق الرازق المدَبِّـر للأمور، المستحق للعبادة والخضوع والخشوع، قال تعالى: ((ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)) [الأنعام: 102]
2- مجتمعٌ مــُــوَحَّــــــد: وتعني هذه أنه مجتمع مترابط برابطة واحدة هي رابطة الإسلام
وقد حذر اللهُ عز وجل العباد من التفرق والتمزق، فقال سبحانه: ((وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)) [الروم: 31، 32]. وأمر الله عباده بالاعتصام والتوافق والاتحاد، فقال تعالى: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)) [آل عمران: 103]
3-مجتمعٌ متراحم: لم يعرف التاريخ مجتعماً متراحماً كالمجتمع الإسلامي ولم لا؟! فالذي وضع قواعده هو رب الأرض والسماء، فقد شرَّع الله عز وجل لعباده ما يتناسب مع أحوالهم فأمرهم بالتراحم والتعاطف فيما بينهم لكي تستقيم حياتهم، وحذرهم من الظلم وحرمه عليهم كما في الحديث القدسي، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَـاريّ-رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: ((يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا))(5).
وقد حث النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على التعاون والتراحم في أحاديث كثيرة منها:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص-رضي الله عنهما-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: ((مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا))(6).
وعن جَرِيرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ-رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((مَنْ لاَ يَرْحَمُ لاَ يُرْحَمُ))(7).
وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ))(8).
قال ابن بطال: في هذه الأحاديث الحض على استعمال الرحمة للخلق كلهم كافرهم ومؤمنهم ولجميع البهائم والرفق بها، وأن ذلك مما يغفر الله به الذنوب ويكفر به الخطايا(9).
4-مجتمعٌ عفيف طاهر: لم يتمرغ في أوحال الدنس والقذارة الأخلاقية، بعيد كل البعد عن الأسباب التي تدنسه كالنظر للنساء الأجنبيات، وسماع الغناء الماجن المحرم، والاختلاط بين الرجال والنساء كل ذلك حفاظًا عن الأعراض والأنساب، قال تعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]، وقال سبحانه {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [الأنعام: 151]
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعُود-رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: ((مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ))(10).
5-مجتمع آمن: والأمن من ضروريات الحياة فليس الأمن بالأمر اليسير أو السهل فهو من ضروريات الحياة فالإنسان لا يمكن أن يعيش بهناء وسعادة وينام قرير العين بدون الأمن، كثير من العبادات وكثير من الأعمال الصالحة لا يمكن أن تكون بدون الأمن، فالأمن ضرورة حياتيه مثل الطعام والشراب.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (( الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ))(11)
وقال: (خَيْرُكُمْ مَنْ يُرجى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ وَشَرُّكُمْ مَنْ لَا يرجى خيره ولا يؤمن شره) (12)
وقد عني الإسلام بهذا الأمر عناية فائقة واتخذ عددا من الطرق والعوامل لتحقيق الأمن في المجتمع الإسلامي منها:
• العناية بالفرد وتربيته وتنشئته تنشئه صالحة، لأن المجتمع يتكون من عدد من الأفراد فإذا كان الفرد المسلم عنده وازع إيماني يعصمه من ارتكاب الجريمة و إيذاء الناس صار هذا فيه حفظ للمجتمع المسلم من شرور هذا الفرد، و المجتمع كله هو مجموعة من الأفراد ولذلك نجد أن الإسلام عني بتنشئة البيت المسلم من البداية فوجه الرجل إلى الزواج بذات الدين فقال -صلى الله عليه وسلم-: (( تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ))(13)، وقال-صلى الله عليه وسلم-: لولي المرأة وللمرأة: ((إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ))(14)، فإذا كان الزوج صاحب خلق ودين والزوجة ذات خلق ودين فإن هذا مظنة أن يكون أبناءهم متأثرين بهم فيعيشون في هذا الجو الصالح فيستفيد المجتمع ويحظون على المجتمع أمنه.
•العناية بالمجتمع والأسرة هي التي تكون المجتمع، ولذلك الأسرة تمنح الفرد المحضن التربوي الذي يحافظ على سلوكه ويضبط تصرفاته، فوجه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى القيام بحماية أفرادها وقال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) [التحريم: 6] فهي مسؤولية الأسرة في تكوين محضن تربوي للأفراد كما أن
مسؤولية المجتمع المحافظة على هذه الأسر التي يتشكل منها المجتمع.
•التوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحيث تكون ممارسة أو المحافظة على هذه الأجواء الصالحة وعلى رعاية المجتمع هي مسؤولية المجتمع بأكمله كما قال الله عز وجل: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) [آل عمران: 110]
وقال تعالى: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [التوبة: 71] فهي مسؤولية جماعية يقوم عليها كل أفراد المجتمع.
• العقوبات والزواجر في الشريعة الإسلامية تحفظ أمن الناس؛ فهناك زواجر وعقوبات وحدود شرعية لضبط المجتمع المسلم والمحافظة على أمنه فالقاتل يقتل والسارق تقطع يده والمحارب المفسد في الأرض إما أن يقتل أو يصلب أو تقطع يده رجلا من خلاف أو ينفى من الأرض، وهكذا المعتدي على العرض إن يرمي رجلا أو امرأة بالزنا يقام عليه حد القذف، من يسب أو يشتم يعذر و يتم بذلك حفظ أعراض المجتمع والمحافظة على أمنه ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: (( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة: 179]، لأن قتل هذا الفرد القاتل يمنع غيره من أن يمارس عملية القتل فيكون في موته حياة للآخرين.
وأما عوامل إصلاح المجتمع المسلم:
إن العوامل التي بها صلاح المجتمع الإسلامي وغيره، هي العوامل التي قام بها إمام النبيين صلوات الله عليه، وقام بها صحابته الكرام رضوان الله عليهم من بعده، ومن المعلوم أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها، كما قال أهل الإيمان، ومن جملتهم إمام دار الهجرة مالك بن أنسرحمه الله- حيث قال: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما
صلح به أولها، فما لم يكن يومئذ دين فلا يكون اليوم دين(15).
ومن عوامل إصلاح المجتمع:
1- إتباع ما جاء عن الله وعن رسوله: ومن أراد صلاح المجتمع الإسلامي، أو صلاح المجتمعات الأخرى في هذه الدنيا بغير الطرق والوسائل والعوامل التي صلح بها الأولون فقد غلط وأخطأ وقال غير الحق، فليس إلى غير هذا من سبيل. وكلّ ما جاء في القرآن مُلزِم الاتّباع، حيث إنّه يحتوي على المنهج الكامل لحياة المجتمع الإسلاميّ، وبالتّالي فهو يشمل كلّ ما يحتاجه هذا المجتمع، وما يحتاجه الإنسان في حياته، من عقائد وأخلاق، وأحكام عمليّة تتّصل بالعبادات والمعاملات الّتي تنظّم علاقة الإنسان بأمثاله وبالمجتمع وبالأمم والعالم. أمّا السّنّة النّبويّة فقد جاءت مكمّلة للقرآن، وأوجب الله على النّاس طاعة الرّسول في قبول ما شرعه لهم وامتثال ما يأمرهم به، وينهاهم عنه. إذن واجب للرّسول -صلى الله عليه وسلم- على الأمّة أمران؛ الأوّل: الطّاعة فيما أتى به. والثّاني: أن يبلّغوا عنه ما أخبرهم به(16).
قال تعالى: ((وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) [الأعراف: 158]
وقال سبحانه: ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ))[الحشر: 7]. فصلاح المجتمع وهدايته وفلاحه في اتباع ما جاء عن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-. وكل سوء وبلاء يحل بمجتمعنا مداره على مخالفة أمر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-،
2-صلاح البيوت: إن ببناء المجتمع الصغير(الأسرة) بناءً سليما وبصلاحه يتم صلاح المجتمع الكبير(الدولة)، وإذا قامت الأسرة على أسس وطيدة من حسن العلاقة بين الزوج والزوجة والأبوين والأبناء وبين الأبناء بعضهم لبعض، وانتهجت في حياتها القيم الفاضلة التي غرسها الإسلام من المرحمة والمحبة، وأداء الواجب والقيام بحق الله، والحفاظ على قوانينه وتنفيذ منهجه وحسن تنظيم العلاقات الفردية والجماعية والإنسانية فلا شك أنها ستسعد(17).
وتربية الآباء للأبناء تربية حسنة هي أفضل وسيلة لبناء المجتمع، قال ابْنُ عُمَرَ-رضي الله عنه-، لِرَجُلٍ: أَدِّبِ ابْنَكَ، فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْ وَلَدِكَ، مَاذَا أَدَّبْتَهُ؟ وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ؟ وَأَنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ(18).
3- نشر الدعوة بين الناس على علم وبصيرة: قال تعالى ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي)) [يوسف: 108]
وأعظم ما يهتم به الداعية هداية قومه، والنصح لهم وأن تكون الدعوة على علم ويقين من غير شك ولا امتراء ولا مرية. وأول ما يُبدأُ به هو دعوة الناس إلي توحيد الله عز وجل وإرشادهم إلى تفاصيل ذلك. وبسبب التساهل الكثير من العلماء وطلبة العلم، الذين فقهوا توحيد الله، بسبب التساهل في هذا الأصل الأصيل، انتشر الشرك في بلدان كثيرة، وعبدت القبور وأهلها من دون الله وصرف لها الكثير من عبادة الله، وانتشرت الفواحش في أنحاء المجتمع-إلا من رحم ربك-وهذا من دسائس الشيطان ومكائده، فإنه أحرص شيء على إزاحة الناس عن عقيدتهم، ودينهم وعلى إبعادهم عنها بكل وسيلة(19).
نماذج من المجتمع الإسلامي:
لو نظرنا على مر التاريخ لوجدنا كثيرًا من الأمثلة التي قد طُبق الإسلام تطبيقًا عمليًا في جميع جوانبه ومجالاته، ولقد أمر الله عز وجل بأوامر في أصل تربية الإنسان وهي تنمية داخلية ليس مجرد التزام ظاهري بل هو زراعة محبة أفراد المجتمع في القلب و هذا يؤدي لجلب الخير والنفع وكف الأذى والضر لذلك يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)).(20)
ومن مقتضيات الإيمان المحبة بين المسلمين وتحقيق هذا السلوك يؤدي لدخول الجنة بل عدم تحقيقه يمنع من دخول الجنة فالإسلام يريد أن يزرع بالمسلم محبة أفراد المجتمع فإذا أحبهم بقلبه فلا شك أن جوارحه ستتحرك بمقتضى هذه المحبة، فتجد أنه يحسن للآخرين ويبذل لهم الخير ويفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم ويتفاعل معهم فكانت هذه المحبة المتبادلة بين المسلمين علامة على تحقق الإيمان وفي الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم-((لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ))(21)
ودخول الجنة من أعظم الحوافز التي يحرص عليها المسلم (22).
ولقد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدما أكمل الدين وأتم النعمة، ثم كان من بعده عصر الخلفاء الراشدين مليء بالأمثلة المتنوعة من عدل وإنصاف، وبر وإيخاء، وحب وتعاون وتراحم. على سبيل المثال:
•المجتمع الإسلامي أيام عمر-رضي الله عنه- كان يحكمه الشرع لا فوارق ولا طبقات توجد فيه، وإنما مساواة تامة، لا مساواة شعارات، أو مساواة نسبية حسب مراكز السلطة ومقامات الأفراد، وإنما هي مطلقة(23).
ولو نظرنا في التاريخ لوجدنا كثير من الأمثلة التي تساعد على تنمية المجتمع، وتخريج جيل يحاكى جيل الصحابة رضوان الله عليهم، ليسوا مضيعين لأوقاتهم، منغمسين في المُلْهيات، لكنهم رجالاً أشداء لا ينثنون للريح، يشقون الطريق بعزمٍ وجِدٍ، لا تلهيهم كرة، ولا يضيعهم تلفاز ولا هراء، وقتهم أعظم وأثمن من أن يضيع في مثل هذه الترهات، فالحياة الحقيقية للشجعان الأقوياء العاملين بكتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، لا مكان فيها للكُسالى والتنابلة والبطالين والمتخاذلين، نريد شباباً يتربى على معالي الأمور، ويترفع عن سفاسف الأمور.
والحمد لله رب العالمين
---
(1) أخرجه مسلم(7309).
(2) الشعر والشعراء (2/ 738)، لابن قتيبة.
(3) انظر كتاب دراسات إسلامية في الأسرة والمجتمع، للشيخ محمد أبو زهرة.
(4) لكن كان هناك قلة قلية متمسكة بالحق في المجتمع العربي كزيد بن عمرو وورقة بن نوفل، وكانوا يرفضون العصبية وأخلاق الجاهلية.
(5) أخرجه مسلم (55).
(6) أخرجه أبو داود (4943)، وصححه الألباني في صحيح الجامع(5444).
(7) أخرجه البخاري (6013)، ومسلم(65).
(8) أخرجه البخاري(2442).
(9) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 219).
(10) أخرجه البخاري (7403)، ومسلم(34).
(11) أخرجه ابن المبارك في الزهد (826)، وأحمد (23958) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6658)
(12) أخرجه الترمذي (4/ 98) (2263) قال : حديث حسن صحيح.
(13) أخرجه البخاري(5090)، ومسلم(53).
(14) أخرجه الترمذي (1084)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (3090).
(15) انظر مقال "عوامل إصلاح المجتمع"، للشيخ ابن باز ص: 9، والاعتصام للشاطبي (1/ 49).
(16) نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (2/ 13).
(17) المجتمع الإسلامي وبناء الأسرة(ص: 35)، محمد صادق عفيفي.
(18) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5098).
(19) انظر تفسير السعدي (ص: 406). وانظر مقال "عوامل إصلاح المجتمع"، للشيخ ابن باز (ص: 12).
(20) أخرجه البخاري(6941)، ومسلم(68).
(21) أخرجه مسلم(93).
(22) الإسلام وبناء المجتمع، للدكتور عبدالله الريس.
(23) موسوعة التاريخ الإسلامي(3/195)، لمحمود شاكر.