واجبنا نحو القرآن
فضل القرآن لماذا نتعلم القرآن واجبنا نحو القرآن
فضل القرآن
1 - إن القرآن آية الله الكبرى، والمعجزة الإلهية الخالدة، الدالة على حقّيّة نبوة رسول الله -صلي الله عليه وسلم-، قد تحدّى الله به الإنس والجن، فقال عزّ من قائل: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88].
قال الشيخ الشنقيطي-رحمه الله-(صرح في سورة بني إسرائيل بعجز جميع الخلائق عن الإتيان بمثله، فاتضح بطلان دعواهم الكاذبة)(1) . بل تحداهم بمثل سورة منه: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [البقرة: 23].
2 - أنه كتاب هداية العالم كله إلى الطريق الأقوم، والمرشد لسعادة الدنيا والآخرة:
قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 2]. وقال عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا } [الإسراء: 9].
قال ابن كثير -رحمه الله-: (يَمْدَحُ تَعَالَى كِتَابَهُ الْعَزِيزَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الْقُرْآنُ بِأَنَّهُ يَهْدِي لِأَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَوْضَحِ السُّبُلِ، وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ عَلَى مُقْتَضَاهُ، أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً). (2)
3 - إن القرآن علاج آفات الأفراد والمجتمعات:
قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: 82].
وقال أيضا: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت: 44].
قال الشيخ السعدى -رحمه الله-: (فالقرآن مشتمل على الشفاء والرحمة، وليس ذلك لكل أحد، وإنما ذلك للمؤمنين به، المصدقين بآياته، العاملين به، وأما الظالمون بعدم التصديق به أو عدم العمل به، فلا تزيدهم آياته إلا خسارًا). (3)
4 - القرآن حاكم على الكتب السابقة ومهيمن عليها:
قال تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ) المائدة(48).
قال الشيخ السعدى -رحمه الله-: (فهو الكتاب الذي تتبع كل حق جاءت به الكتب فأمر به، وحث عليه، وأكثر من الطرق الموصلة إليه، وهو الكتاب الذي فيه نبأ السابقين واللاحقين، وهو الكتاب الذي فيه الحكم والحكمة، والأحكام الذي عرضت عليه الكتب السابقة، فما شهد له بالصدق فهو المقبول، وما شهد له بالرد فهو مردود، قد دخله التحريف والتبديل، وإلا فلو كان من عند الله، لم يخالفه). (4)
5 - أنه خير الحديث والكلام قاطبة:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم-: (خَيْرُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ-صلي الله عليه وسلم- ). (5)
وهو مأخوذ من القرآن الكريم. قال تعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 23].
قال الشيخ السعدى-رحمه الله-: (فأحسن الحديث كلام اللّه، وأحسن الكتب المنزلة من كلام اللّه هذا القرآن، وإذا كان هو الأحسن، علم أن ألفاظه أفصح الألفاظ وأوضحها، وأن معانيه، أجل المعاني، لأنه أحسن الحديث في لفظه ومعناه، متشابها في الحسن والائتلاف وعدم الاختلاف، بوجه من الوجوه. حتى إنه كلما تدبره المتدبر، وتفكر فيه المتفكر، رأى من اتفاقه، حتى في معانيه الغامضة، ما يبهر الناظرين، ويجزم بأنه لا يصدر إلا من حكيم عليم). (6)
لماذا نتعلم القرآن
قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة: 11]. وقوله تعالى: { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79].
من الأسباب التي تدفعنا لتعلم للقرآن:
1- محبة الله:
عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ )، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ). (7) "
قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون سبب محبة الله له محبته لهذه السورة، ويحتمل أن يكون لما دل عليه كلامه لأن محبته لذكر صفات الرب دالة على صحة اعتقاده". (8)
2-محبة الناس:
إن قيام المتعلم بتعلم القرآن وحفظه وقراءته تساعد في نشر محبته عند الناس عامة. فعَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: ذُكِرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (خُذُوا القُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - فَبَدَأَ بِهِ -، وَسَالِمٍ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ)(9)
3-أن يكون من خير الأمة وأفضلها:
فعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صلي الله عليه وسلم-قَالَ( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ). (10)
قال ابن حجر-رحمه الله-: (فالقرآن أشرف العلوم فيكون من تعلمه وعلمه لغيره أشرف ممن تعلم غير القرآن وإن علمه فيثبت المدعي، ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي ولهذا كان أفضل). (11)
4- نيل الشفاعة بحفظ القرآن:
وعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه-قال سمعت رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يقول: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ
يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ). (12)
أشار في الحديث إلى أن القرآن كاملا ًيشفع لصاحبه، وفى الجزء الثاني من الحديث أشار إلى أن سورة البقرة وسورة آل عمران تشفعان لصاحبهما. (13)
5-دخول الجنة ورفع الدرجات فيها: فعن عائشة -رحمه الله- أن النبي -صلي الله عليه وسلم-
قال: ( الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ). (14)
قَالَ الْقَاضِي عياض-رحمه الله-: يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَى كَوْنه مَعَ الْمَلَائِكَة أَنَّ لَهُ فِي الْآخِرَة مَنَازِل يَكُون فِيهَا رَفِيقًا لِلْمَلَائِكَةِ السَّفَرَة، لِاتِّصَافِهِ بِصِفَتِهِمْ مِنْ حَمْل كِتَاب اللَّه تَعَالَى. (15)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلي الله عليه وسلم-قَالَ: (( يُقَالُ - يَعْنِي لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ -: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا )). (16)
قال الخطابي: جاء في الأثر: عددُ آي القرآن على قدر درج الجنة، يقال للقارىء: اقرأ وارتق في الدرج، على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن، فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة، ومن قرأ جزءاً منه كان رقيه في الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة. (17)
6-البركة ومنع السحر:
{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } [الإسراء:
82]. اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِهِ شِفَاءً عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ شِفَاءٌ لِلْقُلُوبِ بِزَوَالِ الْجَهْلِ عَنْهَا وَإِزَالَةِ الرَّيْبِ، وَلِكَشْفِ غِطَاءِ الْقَلْبِ مِنْ مَرَضِ الْجَهْلِ لِفَهْمِ الْمُعْجِزَاتِ وَالْأُمُورِ الدَّالَّةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. الثَّانِي: شِفَاءٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ الظَّاهِرَةِ بِالرُّقَى وَالتَّعَوُّذِ وَنَحْوِهِ. (18)
وقال رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: (اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ). (19)
7- القرآن يؤنس صاحبه في الحشر:
وَعَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلي الله عليه وسلم-: وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُنِي فَيَقُولُ مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ لَهُ هَلْ تَعْرِفُنِي فَيَقُولُ مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ بِمَ كُسِينَا هَذِهِ فَيُقَالُ بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًاِ. (20)
•واجبنا نحو القرآن
1-أول ما ينبغي للمقرئ والقارئ أن يقصدا بذلك رضا الله تعالى:
قال الله تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [البينة: 5] أي الملة المستقيمة.
وفي الصحيحين من حديث عمر-رضي الله عنه- عن رسول الله -صلي الله عليه وسلم-أنه قال: [إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات، وإَنمَا لكل امْرِئٍ مَا نَوَى]، وهذا الحديث من أصول الإسلام. (21)
2-وينبغي أن لا يقصد به توصلا إلى غرض من أغراض الدنيا من مال أو رياسة أو وجاهة أو ارتفاع على أقرانه أو ثناء عند الناس أو صرف وجوه الناس إليه أو نحو ذلك (22) :
قال تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ } [الشورى: 20].
وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 18، 19].
قال قتادة-رحمه الله-: من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله بحسناته في الدنيا ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطىَ بها جزاء وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة. (23)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-قال: قال رسولُ الله - -صلي الله عليه وسلم-: "مَن تعلَّم علماً مما يُبتَغَى به وجهُ الله عزَّ وجلَّ لا يتعلَّمُه إلا ليُصيبَ به عَرَضاً من الدُّنيا لم يَجِدْ عَرْفَ الجنةِ يومَ القيامة" يعني ريحَها. (24)
ومثله أحاديث كثيرة وعن أنس و حذيفة و كعب بن مالك رضي الله عنهم أن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- قال: [مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ]. (25)
3-أن نبذل النصيحة لغيرنا:
فإن (الدين النصيحة) كما ثبت في الحديث الشريف وصح ومن النصيحة لله ولكتابه ولرسوله إكرام قارئ القرآن، وطالب العلم وإرشاده إلى مصلحته، وأن يحرضه على الطلب، ويذكر له فضيلة ذلك، ليكون سببا في نشاطه. (26)
4-التدبر والخشوع:
إن التّدبّر وهو التفهم وكذا الخشوع هما المقصود الأعظم، والمطلوب الأهم، وبذلك تنشرح الصدور وتستنير القلوب، والآيات والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر. قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} [ص: 29]. (27)
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَاللَّهِ مَا تَدَبُّرُهُ بِحِفْظِ حُرُوفِهِ وَإِضَاعَةِ حُدُودِهِ حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَقُولُ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ مَا يُرَى لَهُ الْقُرْآنُ فِي خُلُقٍ وَلَا عَمَلٍ. (28)
قال تعالى {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء: 82].
قال القرطبى -رحمه الله-(فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقُرْآنَ وَأَمَرَهُمْ بِتَدَبُّرِهِ، لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ فِيهِ اخْتِلَافًا فِي وَصْفٍ وَلَا رَدًّا لَهُ فِي مَعْنًى، وَلَا تَنَاقُضًا وَلَا كَذِبًا. (29)
قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]. أي: قد أغلق على ما فيها من الشر وأقفلت، فلا يدخلها خير أبداً. (30)
5-إن من حقوق هذا الكتاب الاستمساك به كما أمر الله تعالى بذلك نبيه، فقال تعالى: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الزخرف: 43]. والاستمساك به يكون باتباعه، بإحلال حلاله وتحريم حرامه والاقتداء به والتحاكم إليه وعدم الكفر بشيء منه، كما قال تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } [الأعراف: 2، 3]. (31)
6-ومن الحقوق لهذا الكتاب الكريم تعليمه لأجيال الأمة، لأولادنا وبناتنا وتحفيظهم إياه، فهذا الكتاب ضمن الله حفظه بقوله جل شأنه: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9]، وإنما يحفظ القرآن بحفظ الأمة وتعاهدهم له، فكان لزامًا علينا تعلمه وتعليمه لأبنائنا جيلاً بعد جيل، فهو نبراس حياتنا وسبيل عزنا ومناط سعادتنا.
7-تكريم أهل القرآن وإجلالهم
عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: (إن من إجلالِ الله إكرامَ ذي الشيبَةِ المسلمِ، وحاملِ القُرآنِ غيرِ الغالي فيه والجافي عنه، وإكرَامَ ذي السُّلطَانِ المُقْسِطِ). (32)
وبالجملة من أراد الخير كله ففي التمسك والعمل بالقرآن، ومن أراد الشر كله فبالإعراض عنه، قال تعالى( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)} [طه]. (33)
والحمد لله رب العالمين
----
(1) أضواء البيان (1/ 487).
(2) تفسير ابن كثير ط العلمية (5/ 45).
(3) تفسير السعدي (ص: 465).
(4) تفسير السعدي (ص: 234).
(5) أخرجه مسلم (2042).
(6) تفسير السعدي (ص: 722).
(7) أخرجه البخاري (7375).
(8) فتح الباري- تعليق ابن باز (13/ 357)
(9) أخرجه البخاري (3808)ومسلم(2464).
(10) أخرجه البخاري (4739).
(11) فتح الباري- تعليق ابن باز (9/ 76).
(12) -أخرجه مسلم (1910).
(13) انظر مجلة الشريعة والدراسات الاسلامية جامعة الكويت ص140\العدد94.
(14) -أخرجه البخارى (4653)\مسلم(798)واللفظ له.
(15) شرح النووي على مسلم (3/ 152).
(16) رواه أحمد (6799) صححه الألبانى فى صحيح الجامع الصغير (3201).
(17) -انظر معالم السنن لأبي سليمان الخطابي (1/ 254).
(18) تفسير القرطبي (10/ 316).
(19) أخرجه مسلم (1910).
(20) مسند أحمد (38/ 42). الألباني (2829) الصحيحة.
(21) التبيان في آداب حملة القرآن (ص: 13).
(22) التبيان في آداب حملة القرآن (ص: 13).
(23) تفسير ابن كثير / دار الفكر (2/ 535).
(24) رواه أبو داود (3664) صححه الألباني (2049).
(25) سنن ابن ماجه(235) حسنه الألباني في صحيح ابن ماجة (1/ 325).
(26) التبيان في آداب حملة القرآن (ص: 13).
(27) -علوم القرآن الكريم-نور الدين عتر ص(277).
(28) تفسير ابن كثير ط العلمية (7/ 54).
(29) تفسير القرطبي (5/ 290).
(30) تفسير السعدي (ص: 788).
(31) موسوعة الخطب المنبرية ص(3814)للشيخ خالد المصلح.
(32) سنن أبي داود(4843)حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( 98).
(33) موسوعة الخطب المنبرية ص(2209)للشيخ عبدالرحمن بن عثمان الغامدى.