صلاة الفجر بين الرابحين والخاسرين
حياة المسلم تعتريها حالات نقص وقصور وقد يكون ذلك في فضائل الأعمال وسنن الإسلام، وقد يتعدى إلى واجبات الدين ودعائم الإيمان، وزمننا المعاصر ووقتنا الحالي مليئان بمثبطات الإيمان ومعوقات الطاعات، شبه وشهوات، شبه تجعل الحليم حيرانا وتقوّض قواعد الإيمان، وشهوات من لم يقع فيها ناله من ذكائها وقشبها ما يؤثر على إيمانه وأخلاقه وسلوكه، مظاهر التقصير في الطاعات في أمتنا كثيرة وصورها متعددة، واليوم نقف على إحدى هذه المظاهر
وتلك الصور وقد انتشرت واشتهرت اشتهاراً لا يمكن معه الإنكار وعمّت حتى لحقت بعض الأخيار مع أنها سمة للمنافقين، نعوذ بالله من حالهم وحال أهل النار، هذه الصورة مستقبحة شرعا وممقوتة فطرة وحساً وعرفا، من قامت به قامت به الأدواء ومن وقع فيها وقع أسيراً للأهواء إنها الإعراض عن صلاة الفجر، الإعراض عنها إعراض عن الخير، إعراض عن الجنة، إعراض عن ذمة الله وجواره(1).
فضل صلاة الفجر
وقد تعددت الآيات والأحاديث في فضل صلاة الفجر ومنها:
1- صلاة الفجر ضمان للجنة:
عن أبي موسى -رضي الله عنه- أنَّ رَسُوْلَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ". (2)
2- اجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار:
عن أَبَي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "تَفْضُلُ صَلاَةُ الجَمِيعِ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ وَحْدَهُ، بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا، وَتَجْتَمِعُ مَلاَئِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ". ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}. (3)
3- صلاة الفجر ستار من النار وسبيل إلى جنات النعيم:
عَنِ ابْنِ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَلِجُ النَّارَ مَنْ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا". (4)
عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةً - يَعْنِي البَدْرَ - فَقَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا" ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ} [ق: 39]. (5)
3- صلاة الفجر في جماعة نور يوم القيامة، فعَنْ بُرَيْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". (6)
والنور على قدر الظلمة، فمن كثر سيره في ظلام الليل إلى الصلاة عظم نوره وعّم ضياؤه يوم القيامة فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " فيُعْطون نورَهُم على قدْرِ أعْمالِهْمِ، فمنهُمْ مَنْ يُعْطى نورَه مثلَ الجَبلِ العظيمِ؛ يَسْعى بَيْنَ أيْديهِمْ، ومنهم مَنْ يُعْطى نورَه أصْغَرَ مِنْ ذلك، ومنهم مَنْ يُعْطى مثلَ النخْلَةِ بيمينه، ومنهم مَنْ يُعطَى أصْغَرَ منْ ذلك حتى يكونَ آخِرُهُم رجلاً يُعْطى نورَه على إبْهام قدَمِه، يضيءُ مرَّةً، ويُطْفَأُ مرَّةً، فإذا أضاءَ قدمُه قدِمَ ومشى، وإذا طفِئ قامَ". (7)
4- صلاة الفجر نشاط وخفة: فالقيام لها والانسلاخ من الفراش انتصار على الشيطان وانفلات من عقده، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ". (8)
5- صلاة الفجر من أسباب حفظ الله للعبد: فعن جُنْدَب بْن عَبْدِ اللهِ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ". (9)
6- صلاة الفجر بركة لعمرك وحياتك فعَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا". (10)
7- راتبة الفجر خير من الدنيا وما فيها: فعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا". (11)
عاقبة ترك صلاة الفجر
1- التخلف عن صلاة الفجر جماعة سبب لعذاب الله كما في حديث سَمُرَةُ بْنُ جُنْدَبٍ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الرُّؤْيَا، قَالَ: "أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ القُرْآنَ، فَيَرْفِضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ". (12)
2- استحواذ الشيطان على العبد فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود -رضي الله عنه- قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ، فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ، مَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَقَالَ: "بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ".
الأسباب المعينة على أداء صلاة الفجر.
1- الحرص على النوم مبكرا.
عن أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لاَ يُبَالِي بِتَأْخِيرِ العِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَلاَ يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَلاَ الحَدِيثَ بَعْدَهَا". (13)
قال النووي: وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو الذكر فيه أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو في وقتها المختار أو الأفضل قال العلماء والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه وذلك كمدارسة العلم وحكايات الصالحين ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم والحديث في الإصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك فكل هذا لا كراهة فيه. (14)
2- أن يحرص المسلم على آداب النوم:
كالدعاء قبل النوم، وجمع الكفين والنفث فيهما والنوم على طهارة، ويحرص على أداء ركعتي الوضوء
فعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- " أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ". (15)
3- عمارة القلب بالإيمان والعمل الصالح:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ، فَقَالَ: "لَقَدْ هَمَمْتُ أَنَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْهَا، فَآمُرَ بِهِمْ فَيُحَرِّقُوا عَلَيْهِمْ، بِحُزَمِ الْحَطَبِ بُيُوتَهُمْ، وَلَوْ عَلِمَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَظْمًا سَمِينًا لَشَهِدَهَا".(16)
5- إدراك ما ورد في فضل صلاة الفجر من الأجر العظيم والثواب الجزيل:
عن عُثْمَانُ بْن عَفَّانَ -رضي الله عنه- قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ". (17)
عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.(18)
6- أن يحرص المسلم على نفي صفة المنافقين عن نفسه:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّ أَثْقَلَ صَلاَةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاَةُ الْعِشَاءِ، وَصَلاَةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا. (19)
ويقسم الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود فيقول "وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ". (20)
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: "كُنَّا إِذَا فَقَدْنَا الرَّجُلَ فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ". (21)
---
(1) منقول من خطبة بعنوان (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) لخالد بن أحمد المسيطير
(2) أخرجه البخاري (574).
(3) صحيح البخاري (648).
(4) صحيح مسلم (214).
(5) صحيح البخاري (544).
(6) سنن أبي داود (561) وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (721).
(7) أخرجه الطبراني في الكبير (9763)، وصححه الألباني فيصحيح الترغيب والترهيب (3591).
(8) أخرجه البخاري (1142).
(9) أخرجه مسلم (261).
(10) سنن أبي داود (2606) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (2345).
(11) أخرجه البخاري (725).
(12) أخرجه البخاري (1143).
(13) أخرجه البخاري (771).
(14) شرح النووي على مسلم (5/ 146).
(15) أخرجه البخاري (5017).
(16) أخرجه مسلم (651).
(17) أخرجه مسلم (260).
(18) أخرجه مسلم (1635)
(19) أخرجه مسلم (252).
(20) أخرجه مسلم (1432).
(21) المعجم الكبير للطبراني (13085)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (417).