من ركائز الإيمان
الإيمان بالملائكة الأبرار
عالم الملائكة الأبرار أحد أركان الإيمان الستة والذي لا يصح إيمان العبد إلا إذا استقر في فؤاده الإيمان بوجودهم، قال الله {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ } [البقرة: 285]
ولك أن تتعرف عليهم بما نذكره
ممَّ خلق الملائكة، ومتى خلقوا؟
الملائكة: عباد الله المكرمون، والسفَرة بينه تعالى وبين رسله، وهم كرام بررة، طاهرون ذاتًا وصفة وأفعالًا، مطيعون لله، لا يعصون الله تعالى ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون.
(1) ممَّ خُلقوا؟
عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم))(1)، وهذا النور الذي خلقت منه الملائكة لا نخوض من أي نور هو؟ ويكفي أن نقول: إنها خلقت من نور، كما ورد في الحديث(2)، وأن هذا النور مخلوق، ليس هو نور ذات الله سبحانه وتعالى.
(2) متى خُلقوا؟
الملائكة خلقت قبل الإنسان؛ لقوله تعالى: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) [البقرة: 30]، فهذا يدل على أن الملائكة كانت مخلوقة قبل خلق آدم عليه السلام.
(3) صفاتهم الخلقية:
(أ) عِظَم خَلْقهم: قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [التحريم: 6].
وقد ورد في القرآن والسنة وصف لجبريل عليه السلام، ووصف لأحد ملائكة حملة العرش.
أما وصف جبريل فقد قال الله في وصفه: ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ)[التكوير: 19، 20](3).
ومعنى ( ذِي قُوَّةٍ ) [التكوير: 20]؛ أي: شديد الخلق، شديد البطش والفعل، ( مَكِينٍ ) [التكوير: 20]؛ أي: له مكانة عند الله ومنزلة رفيعة.
وفي صحيح مسلم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في وصف جبريل عليه السلام: ((رأيته منهبطًا من السماء سادًّا عِظَمُ خَلْقِه ما بين السماء والأرض))(4).
وأما عن وصف أحد حملة العرش، فقد روى أبو داود عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أُذِن لي أن أحدث عن أحد حملة العرش: ما بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة عام))(5).
(ب) ومن صفات خلقهم: أن لهم أجنحة؛ كما قال تعالى: ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [فاطر: 1].
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "رأى جبريل في صورته وله ستمائة جَناح، كل جَناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه التهاويل من الدر واليواقيت"(6).
(ج) لا يوصفون بالذكورة ولا بالأنوثة، وقد أنكر الله على مشركي العرب اعتقادهم بأن الملائكة إناث؛ فقال تعالى: ( وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ) [الزخرف: 19].
(د) الملائكة لا يأكلون ولا يشربون؛ ولذا لما جاؤوا ضيفانًا على إبراهيم في صورة بشر وقدم إليهم الطعام؛ لأنه لم يعرفهم - لم يأكلوا منه؛ قال تعالى: ( فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ ) [هود: 70].
(و) ومن صفاتهم أن لهم قدرة على التشكل بغير أشكالهم؛ فمن ذلك:
• إرسال الله جبريل إلى مريم في صورة بشر؛ قال تعالى: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا )[مريم: 16 - 19].
• وكان جبريل يأتي للنبي -صلى الله عليه وسلم- في صورة رجل يسأل عن أمور الدين؛ كما ورد في "صحيح مسلم" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد. . . الحديث، وفيه: أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان والإسلام والإحسان، وأشراط الساعة، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم))(7).
• وثبت أن جبريل عليه السلام كان كثيرًا ما يأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صورة رجل من الصحابة يسمى: "دحية الكلبي"، وأن الصحابة رأوه على هذه الصورة(8).
تفاضل الملائكة:
الملائكة متفاوتون في المنزلة عند الله كما هم متفاوتون في الخلقة.
فأما تفاوتهم في الخلقة، فمنهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أكثر من ذلك، وأن جبريل له ستمائة جَناح، فهذا تفاوتهم في الخلقة.
وأما تفاوتهم في المنزلة، فقد قال الله تعالى عنهم: ( وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ) [الصافات: 164].
وأفضل الملائكة: الذين شهدوا بدرًا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ كما ثبت في الحديث عن رفاعة بن رافع: "أن جبريل جاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ما تعدون مَن شهد بدرًا فيكم؟ قلت: خيارنا، قال: وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة هم عندنا خيار الملائكة))(9).
وأفضلهم: جبريل؛ قال الله تعالى في وصفه: ( إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) [التكوير: 19 - 21].
صفاتهم الخُلقية:
الملائكة موصوفون بالأخلاق الحميدة، والصفات الفاضلة، فمن ذلك:
(1) أنهم كرام بَرَرة؛ قال تعالى: ( بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ) [عبس: 15، 16].
(2) أنهم مُطهَّرون؛ قال تعالى: ( لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) [الواقعة: 79].
(3) أنهم يستحيون، وفي الحديث قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة))(10).
(4) أنهم لا يحبون الأشياء الكريهة؛ كما ثبت في الحديث: ((إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم))(11).
عدد الملائكة:
لا يعلم عدد الملائكة أحد إلا الله؛ قال تعالى: ( وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) [المدثر: 31].
وقد وردت بعض الأحاديث يتبين من خلالها كثرتهم؛ فقد ثبت في حديث الإسراء: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى إبراهيم في السماء السابعة مسندًا ظهره إلى البيت المعمور، قال: ((فإذا هو يدخله كلَّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم))(12).
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه، إذ قال لهم: ((أتسمعون ما أسمع؟ ))، قالوا: ما نسمع من شيء، قال: ((إني لأسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط، وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملَك ساجد أو قائم))(13).
ومعنى " أطيط": (قال الجوهري: الأطيط: صوت الرَّحِل والإبل من ثقل أحمالها)(14)، فالمقصود إذًا كثرة الملائكة، حتى إنه يسمع صوت السماء.
وظائف وأعمال الملائكة
قال الله تعالى: ( وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا * عُذْرًا أَوْ نُذْرًا ) [المرسلات: 1 - 6].
المرسلات: قيل: الملائكة، وقيل: الرياح، ولا شك أن الله يرسل الملائكة لتدبير أوامره، ومعنى: "عرفًا"؛ أي: متتابعة.
العاصفات: قيل: الملائكة، وقيل: الرياح، وعلى تقدير حملها على الملائكة فلأنها تعصف (تضرب) بأجنحتها في مُضيِّها.
والناشرات: قيل: الملائكة، وقيل الرياح، وقيل: المطر، وعلى تقدير حملها على الملائكة: لأنها تنشر كتب بني آدم وصحائف أعمالهم، ولأنها تنشر أجنحتها في الجو صعودًا ونزولًا، ولأنها تنشر أوامر الله في الأرض والسماء، ولأنها تنشر النفوس فتحييها بالإيمان، ويكون معنى "أنشر" أحيا.
والراجح في الباقي (الفارقات الملقيات) أنها الملائكة؛ فهي بنشرها أوامرَ الله فرقت بين الحق والباطل، وكان ما ألقته من الذكر إعذارًا وإنذارًا للناس.
وقال تعالى: ( وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا ) [الصافات: 1 - 3].
والصافات: لأنها تصفُّ عند ربها كما تقدم.
والزاجرات: لأنها تزجر السحاب، أو لأنها تجيء بالآيات التي تزجر الناس.
فالتاليات ذكرًا: وهذه كالآية السابقة ( فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا ) [المرسلات: 5].
وقال تعالى: ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ) [النازعات: 1 - 5].
ولنذكر بعض هذه الأعمال التي وردت في القرآن والسنة:
منهم الموكلون بحفظ العبد، في حِلِّه وارتحاله، وفي نومه ويقظته، وفي كل حالاته.
قال تعالى: ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ) [الرعد: 11].
قال ابن عباس رضي الله عنه: "المعقبات من الله هم الملائكة، جعلهم الله ليحفظوا الإنسان من أمامه ومن ورائه، فإذا جاء قدر الله الذي قدر أن يصل إليه، خلوا عنه"(15).
وقال مجاهد: "ما من عبد إلا له ملك موكل بحفظه في نومه ويقظته من الجن الإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه إلا قال له الملك: وراءك، إلا شيء أذن الله فيه، فيصيبه"(16).
• ومنهم الموكلون بكتابة الأعمال:
فيكتبون أعمال العباد من خير أو شر؛ قال تعالى: ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) [الانفطار: 10 - 12].
وقال تعالى: ( إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) [ق: 17، 18].
و"القعيد": المترصد، و"الرقيب العتيد": أي: المراقب المعد ذلك.
وظاهر الآيتين أنه يكتب كل ما يصدر من الإنسان من أفعال وأقوال ظاهرة وباطنة، لا يتركون شيئًا؛ لذلك قال تعالى عن المشركين: ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ) [الكهف: 49].
وقد ثبت في بعض الروايات أن ملك اليمين يكتب الحسنات، وملك الشمال يكتب السيئات.
فقد روى الطبراني في الكبير بإسناد حسن بلفظ: ((إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها، وإلا كتبت واحدة))(17).
ومما يدل على أنهم يكتبون الأعمال الباطنة قوله تعالى: ( يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) [الانفطار: 12]؛ فالآية على عمومها لكتابة الأعمال ظاهرها وباطنها.
• ومنهم خزنة الجنة وخزنة النار:
قال تعالى: ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ ) [الزمر: 71] إلى قوله تعالى: ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)[الزمر: 73].
وقد ورد في بعض الآثار: أن رئيس خزنة الجنة اسمه "رضوان"، ولم يثبت في ذلك حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فالعلم عند الله.
وأما النار فقد ثبت في الآيات بيان عدد الخزنة، واسم مقدمهم ورئيسهم؛ قال تعالى: ( عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ) [المدثر: 30]، وقال تعالى: ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) [الزخرف: 77]، ومما جاء في وصفهم أنهم غلاظ شداد؛ قال تعالى: ( عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) [التحريم: 6].
ومما ورد في توبيخهم لأهل النار ما ذكره الله تعالى في كتابه؛ حيث قال: ( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ) [غافر: 49، 50].
• ومنهم حملة العرش:
قال تعالى: ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ) [غافر: 7]، وقال تعالى:(وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) [الحاقة: 17].
قال الشيخ حافظ حكمي: (ومفهوم هذه الآية من قوله تعالى: ( يَوْمَئِذٍ ) أن حملة العرش ليسوا اليوم ثمانية)(18).
ويؤيد ذلك ما روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صدق أمية بن الصلت في شيء من شعره:
رجلٌ وثور تحت رِجْل يمينه والنَّسْر للأخرى وليث مرصد
فقال رسول الله: ((صدق))(19) اهـ.
وهذا يدل على أنهم الآن أربعة(20)، أحدهم في صورة رجل، والثاني في صورة ثور، والثالث في صورة نسر، والرابع في صورة أسد.
• ومنهم الموكل بالجبال:
وقد ثبت في حديث الطائف وعودة النبي -صلى الله عليه وسلم- منها أنه أتاه جبريل فقال له: ((إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا به عليك وقد بعث الله إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي، ثم قال: يا محمد، ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال -صلى الله عليه وسلم-: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا))(21).
• ومنهم الذين يبشرون المؤمن عند موته:
كما قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) [فصلت: 30]، وغير ذلك من الأعمال، والله أعلم.
• ومنهم من لهم أعمال غير ذلك؛ فمنهم من يكتب أسماء من يذهب إلى المسجد يوم الجمعة، ومنهم من يتعاقبون في وقت الصلاة، ومنهم سيَّاحون يبحثون عن مجالس الذِّكر، ومنهم من تظلل الشهداء بأجنحتها، ومنهم من يشيعون جنازة الصالحين؛ فقد شيع سعد بن معاذ رضي الله عنه سبعون ألف ملك.
من فوائد وثمرات الإيمان بالملائكة
(1) معرفة عظمة الله وقوته وسلطانه؛ لخلقه هذا الخلق العظيم، ثم قيامهم له بالعبادة لا يسأمون، ويؤدي ذلك إلى الخضوع له سبحانه وتعالى.
(2) إعطاء الملائكة حقهم في الموالاة والمحبة، وعدم معاداتهم كما فعلت اليهود؛ حيث إنهم عادَوْا جبريل، وقال تعالى: ( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) [البقرة: 97].
(3) إنزالهم منازلهم بأنهم عباد الله وخلقه كالإنس والجن، مكلفون مأمورون، فلا تبالغ بوصفهم بشيء يؤدي بهم إلى جعلهم آلهة من دون الله.
(4) أن يشكر العبد ربه على ما أولاه من عناية له؛ بأن وظف ملائكة من ملائكته بحفظه وتدبير أموره، كما تقدم.
(5) استشعار الإنسان وجود الملائكة معه؛ مما يجعله يحافظ على المداومة على الأخلاق الفضيلة، وترك الأخلاق الذميمة.
(6) الاستئناس بهم في طاعة الله؛ كحديث الجلوس في المسجد بعد الصلاة.
(7) الثبات على الحق، وعدم الاغترار بكثرة الهالكين، ويكفيه أنه على الطاعة التي عليها الملائكة المقربون. (22)
---
(1) مسلم (2996).
(2) ورد في بعض الآثار: أنهم خلقوا من نور العزة، وفي بعضها: أنها خلقت من نور الصدر والذراعين، وكل هذه الآثار غير صحيحة، كما ورد في بعض روايات الحديث: أنها خلقت من نور العرش، وهي رواية شاذة.
(3) انظر: تفسير ابن كثير (4/ 479).
(4) رواه مسلم (177).
(5) رواه أبو داود (4727)، والطبراني في الأوسط (2/ 199)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (151).
(6) إسناده حسن: رواه أحمد (1/ 395 412 460)، وابن حبان من حديث ابن مسعود، و(التهاويل): الأشياء المختلفة الألوان.
(7) مسلم (8).
(8) انظر: النسائي (8/ 101)، وأحمد (6/ 74).
(9) رواه البخاري (3992).
(10) رواه مسلم (2401)
(11) مسلم (564).
(12) رواه البخاري (3207)، ومسلم (162).
(13) الطبراني في الكبير (3/ 201)، ومشكل الآثار للطحاوي، وقال الألباني: صحيح على شرط مسلم، (السلسلة الصحيحة) (852).
(14) لسان العرب (7/ 256).
(15) انظر تفسير ابن كثير (2/ 662).
(16) تفسير الطبري (7/ 350).
(17) رواه الطبراني في الكبير (8/ 185)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 391)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2097).
(18) معارج القبول (2/ 667).
(19) إسناده جيد، ورواه أحمد (1/ 256)، والطبراني في (الكبير) (11/ 233)، وابن خزيمة في التوحيد، وصححه الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 12).
(20) وأما حديث الأوعال وأنهم ثمانية، فإنه حديث ضعيف.
(21) رواه البخاري (3231)، ومسلم (1795)، ومعنى (الأخشبان): جبلا مكة المحيطان بها.
(22) من كتاب (الثمرات الزكية في العقائد السلفية) للشيخ أحمد فريد بتصرف.