الملامح المهمة في منهاج الدعوة
يمكن أن نحدد بعض الملامح المهمة في منهاج الدعوة والتي منها يتبين أن الإسلام هو دين الوسطية حتى في الدعوة إليه.
أ) هداية الناس بيد الله: قال تعالى: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ) (القصص: 56). وقال تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ) (فاطر: 8).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- اللهمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ"(1).
ب) مهمة الدعاة التبليغُ والبيان: قال تعالى: وقال تعالى: ( عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ) (الشورى الآية 48). فإذا بذل الدعاة جهدهم في ذلك، فقد قاموا بالواجب، وأدوا الأمانة:
ج) لا إكراه في الدين: قال الله تعالى: ( إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ) (البقرة: 255).
وقال سبحانه: (أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس: 99).
د) وسائل الدعوة ثلاث: وهي الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، كما قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل: 125).
فالحكمة: وهي ما أنزل الله على رسوله من الكتاب والسنة، تجذب أصحاب العقول والفطر السوية.
والموعظة الحسنة: أي ما في الكتاب والسنة من الزواجر والوقائع بالناس، يذكرهم بها ليحذروا بأس الله تعالى، والداعية بهذه الوسيلة يستميل أولئك الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والذين تلين قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق.
أما من يحتاج فهمه إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، كما قال الله تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) (العنكبوت: 46).
وهذه الأساليب الثلاثة، أهم أساليب الدعوة التي لا يخرج عن نطاقها والتأثر بها من المدعوين إلا من قال الله تعالى فيهم: (وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا) (الأعراف: 146).
هـ) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: وهو من أوصاف الأمة الإسلامية التي استحقت بها الخيرية على الأمم، كما قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ).
وقد استحق بنو إسرائيل اللعن بتركهم لهذه الشريعة، قال الله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة: 78- 79).
ومنهاج الإسلام فيه منهاج الوسط والاعتدال، ، ومراعاة الاستطاعة والقدرة. ولقد كانت حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- هي المنهاج العملي للوسطية في الدعوة إلى الله، وعلى سيرته سار الخلفاء الراشدون، والتابعون لهم بإحسان.
والأمثلة على ذلك كثيرة، فمنها حديث المسيء صلاته لما صلى الرجل عدة مرات، والنبي يقول له في كل مرة "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" ثم علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- كيفية الصلاة(2).
وأيضًا حديث معاوية بن الحكم السلمي لما تكلم في الصلاة وعلَّمه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ ما يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ"(3).
وفي هذه الفترة القليلة من الزمن في حياة الأمم، دخل الناس في دين الله أفواجًا وتكوَّن المجتمع المسلم الواحد في عقيدته وشريعته وسلوكه الاجتماعي.
وكانت الدعوة إلى الله وفق منهاج الوسطية القرآنية، هي السبيل الأول لانتشار الإسلام ودعوته(4).
والحمد لله رب العالمين
---
(1) مسلم (2654).
(2) البخاري (757)، مسلم (397).
(3) مسلم (537).
(4) الأمة الوسط والمنهاج النبوي في الدعوة إلى الله، د/ عبد الله بن عبد المحسن التركي، تحت فصل بعنوان، ((الوسطية في الدعوة)) بتصرف يسير.