وصايا للأئمة في رمضان
أخي الإمام: لقد خصّك الله جل وعلا وفضَّلك على كثير من المسلمين بأن هيأك وجعلك إمامًا للمسلمين في ثاني أركان دينهم وهي الصلاة، فهنيئًا لك أجر الإمامة وفضلها، وحفظ الله لك هذه النعمة.. وما أعظمها من نعمة. وهذه بعض الوصايا المهمة من أخٍ يحب لك الخير والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.
الوصية الأولى: كن على قدْر المسؤولية
أخي الإمام: رمضان فرضة عظيمة للأخذ بيد الحائرين وهداية الضالين وإزالة الغشاوة عن أعين التائهين، فرُبَّ آية تخرج من قلبك قبل لسانك تُعيد مذنباً، أو تفرّج هماً، أو تهدي عاقاً، أو تدلُ حيرانا.
فكن من أئمة الهدى الذين يأخذون بأيدي الحيارى والتائهين، قال الله تعالى في وصف أئمة الهدى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73]
وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]
فكن من أئمة الهدى الذين يحملون همَّ الدين ويبذلون جهدهم وأوقاتهم لهداية المسلمين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب -رضى الله عنه- حين بعثه إلى اليمن(فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ).(1)
الوصية الثانية: راجع نيتك واحذر الرياء
واحذرْ كمائِنَ نَفسِكَ اللاتي مَتَى...خَرجتْ عليكَ كُسِرتَ كَسْرَ مُهانِ(2)
أخي الإمام: قبل أن ترفع يديك لتكبّر الله.. هل راجعت نيتك؟ وتجردت لربك؟
أقولها من قلب مشفق: أعانك الله على الإخلاص.. فليس من السهل - والله - أن تحقق الإخلاص وأنت بين الصفوف كيف وأنت في قلب المحراب؟!
أخي الإمام المبارك.. إذا وقفتَ للصلاة.. فاستعن بالله واقرأ لمن أمامك، ولا تقرأ لمن خلفك.
عن عبادة بن الصامت -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالا فله ما نوى).(3)
أخي الإمام: راقب نيتك على الدوام، فالنِّيَّةُ هِيَ رَأْسُ الْأَمْرِ وَعَمُودُهُ وَأَسَاسُهُ وَأَصْلُهُ الَّذِي عَلَيْهِ يُبْنَى؛ وهي رُوحُ الْعَمَلِ وَقَائِدُهُ وَسَائِقُهُ، وَالْعَمَلُ تَابِعٌ لَهَا يُبْنَى عَلَيْهَا، يَصِحُّ بِصِحَّتِهَا وَيَفْسُدُ بِفَسَادِهَا وَبِهَا يُسْتَجْلَبُ التَّوْفِيقُ، وَبِعَدَمِهَا يَحْصُلُ الْخِذْلَانُ، وَبِحَسَبِهَا تَتَفَاوَتُ الدَّرَجَاتُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وقَدْ قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كَلِمَتَيْنِ كَفَتَا وَشَفَتَا وَتَحْتَهُمَا كُنُوزُ الْعِلْمِ وَهُمَا قَوْلُهُ: (إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى).(4)
فرُبَّ خاشع ليقال ناسك، وصامت ليقال خائف.. وعلامة المخلص أن يكون في جلوته كخلوته.(5)
قل لنفسك: ماذا أُريد بصلاتي...بقراءتي...بإمامتي....ببكائي....بحركاتي...بسكناتي
عن أبي هريرة -رضى الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركَه).(6) وفي لفظ (فأنا منه بريء، وهو للذي أشرك).(7)
أخي الإمام: لا تغترّ بكثرة المادحين أو كثرة المصلّين، ولا تبالِ ببعض المنتقدين لتلاوتك؛ فالمُخلص في عمله يتساوى عنده المدح والذم.
احذر أخي الإمام: عمل المُرائي بَصَلةٌ كلُّها قشور، عمل المرائي ظلماتٌ بعضها فوق بعض المرائي يملأ جِرابه رَملا يثقِّله في الطريق وما ينفعه.
رياءُ المرائين صيَّر مسجدَ الضرار مزبلة وخربة {لا تقم فيه أبدا} وإخلاصُ المخلصين رفع قدر الوسخ (رُبَّ أشعث أغبر)
أيها المرائي: قلبُ مَن تـُرائيه بيدِ مَن تعصيه.(8)
عن أبي هريرة -رضى الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه.....ورجلٌ تعلم العلم، وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه اللهُ نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمتُ العلم، وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال الله: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ! ، فقد قيل، ثم يأُمر به فيسحب على وجهه حتى يُلقي في النار....).(9)
الوصية الثالثة: احذر العُـجْــب
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضى الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (ثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ وَثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ فَأَمَّا الْمُنْجِيَاتُ: فَتَقْوَى اللَّهِ فِي السِّرِّ والعلانيةِ، والقولُ بالحقِّ فِي الرضى وَالسُّخْطِ، وَالْقَصْدُ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ.
وَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَهَوًى مُتَّبَعٌ وَشُحٌّ مُطَاعٌ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ وَهِيَ أَشَدُّهُنَّ).(10)
وقد عرَّف عبد الله بن المبارك -رحمه الله- العُجْب تعريفًا دقيقًا فقال: أن تَرى أنَّ عندك شيئًا ليس عند غيرك، ولا أعلم في المصلين شرًّا من العُجْب.(11)
أخي الإمام..إذا سمعت ثناء الناس عليك وعلى تلاوتك فما أنت صانع؟
قال رجل لابن عمر -رضى الله عنهما-: يا خيرَ الناس، و يا ابن خير الناس، فقال ابن عمر: ما أنا بخير الناس ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله أرجو الله وأخافه، والله لا تزالوا بالرجل حتى تهلكوه.(12)
ومما يدفع به العجب ما قاله الشافعي -رحمه الله-: إذا خفت على عملك العجب؛ فاذكر رضا من تطلب، وفي أي نعيم ترغب، ومن أيِّ عقاب ترهب، فمَن فكَّر في ذلك صغر عنده عمله.(13)
لا تعجبـنَّ بعملك لأن
- الله سبحانه وتعالى هو الذي وفقك لهذا العمل ولولاه سبحانه لما عبدته ولا ذكرته ولا اهتديت إلا ذلك أصلاً.
- قبل أن تعجب بعملك تفكر هل قُبل منك هذا العمل أم لا؟
- تذكر: أن أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك فاحذرها ولا تحسن الظن بها.
- تفكر في عظمة الله سبحانه وتعالى وأنه غني عنك وعن طاعتك وعبادتك وإنما يتقبل هذه العبادة منك على ما يشوبها تكرماً منه وفضلا.
- اقرأ في سير الصالحين والعباد وتأمل حالهم وكثرة عبادتهم وخوفهم مع ذلك أن
لا يتقبل منهم حتى تعرف قدرك وتحقر عملك.
- تفقد حالك بعد كل طاعة وعبادة هل زادت هذه الطاعة في عبادتك وصلاحك؟
الوصية الرابعة: احذر اللــحــن
عذرًا أخي الإمام: أَعلمُ أنك متقنٌ - والحمد لله - في قراءة القرآن وقد أجازك شيخٌ متقنٌ وربما أكثر من شيخ؛ ولكن أنا أقصد ما قاله مالك بن دينار -رحمه الله-: تَلْقى الرجلَ وما يَلحنُ حرفا مِن القرآن وعمله كلُّه لحنٌ.(14)
هذا هو اللحن المقصود – أخي الإمام – وهو أخطر بكثير من اللحن في القراءة مع أن الكل مذموم! ، ولكنَّ اللحنَ في الأعمال والأقوال والأفعال الذي يقع ممن يحمل كتاب الله في صدره جريمة عظيمة؛ وقد وصف الله مَن فعل ذلك بوصفين مِن أشد أوصاف الزجر والوعيد، فقال تعالى {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5]
وقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175، 176]
وتأمل هذا الوعيد الشديد للذين يقرأون القرآن ولا يعملون به، عَنْ أَنَسٍ -رضى الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: (أَتَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِيَ عَلَى قَوْمٍ تُقْرَصُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نارٍ فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ ، فَقَالَ:.....الَّذِينَ يَقْرَؤنَ كِتَابَ اللهِ وَلَا يَعْمَلُونَ بِهِ).(15)
قال أبو سليمان الداراني: الزبانيةُ أسرعُ إلى حمَلَةِ القرآن الذين يعصون الله عز وجل، منهم إلى عبدة الأوثان حين عصوا الله سبحانه بعد القرآن.(16)
البعض يظن أن المطلوب قراءة القرآن وحفظه فقط؟! وهذا غير صحيح، كما قَالَ الْحَسَنُ -رحمه الله-: نَزَلَ الْقُرْآنُ لِيُتَدَبَّرَ وَيُعْمَلَ بِهِ. فَاتَّخِذُوا تِلَاوَتَهُ عَمَلًا.(17)
إنما المقصود التدبر والعمل بما فيه قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضى الله عنه-: لَا يَغُرَّنَّكُمْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، إِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ يُتَكَلَّمُ بِهِ، وَلَكِنِ انْظُرُوا مَنْ يَعْمَلُ بِهِ.(18)
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَاللَّهِ مَا تَدَبُّره بِحِفْظِ حُرُوفِهِ وَإِضَاعَةِ حُدُودِهِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَقُولُ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ مَا يُرَى لَهُ القرآنُ فِي خُلُقٍ وَلَا عَمَلٍ.(19)
أي أن عمل الناس أصبح تلاوة القرآن فقط بلا تدبر ولا عمل به. ومقصود التدبر تأمل القرآن بقصد الاتعاظ والاعتبار والاستبصار
فتدبَّر القرآنَ إنْ رُمتَ الهدى...فالعلمُ تحتَ تدبُرِ القرآنِ
قال ابن عباس في قوله تعالى: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} [البقرة: 121] يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ.(20)
وإليك هذه النصائح الغالية من شيخ القراء عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضى الله عنه- حيث قَالَ: يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إِذَا النَّاسُ نَائِمُونَ، وَبِنَهَارِهِ إِذَا النَّاسُ مُفْطِرُونَ، وبِحُزْنِهِ إِذَا النَّاسُ يَفْرَحُونَ، وَبِبُكَائِهِ إِذَا النَّاسُ يَضْحَكُونَ، وبِصَمْتِهِ إِذَا النَّاسُ يخوضون، وَبِخُشُوعِهِ إِذَا النَّاسُ يَخْتَالُونَ، وَيَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ بَاكِيًا مَحْزُونًا حَلِيمًا، وَلَا يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ جَافِيًا وَلَا غَافِلًا وَلَا صَخَّابًا وَلَا ضَاحِكًا وَلَا حَدِيدًا.(21)
وقال الفضيل بن عياض: حاملُ القرآن حاملُ رايةِ الإسلامِ فلا يَنبغِي أنْ يَلهوَ مَع مَنْ يَلْهُو ولا يَسْهوَ مع مَنْ يَسهو ولا يَلْغو مع مَنْ يَلغُو تعظيماً لحقِّ القرآنِ.(22)
الوصية الخامسة: لا تكن كالشمعة تضيء للناس وتحرق نفسَها
عن جُنْدُب بن عبد الله وأبي برزة -رضى الله عنهما-، قَالَا: قال رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الْعَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ ويَنْسَى نَفْسَهُ كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ ويَحْرِقُ نَفْسَهُ).(23)
إياك أن يكون همك وتركيزك إمتاع الناس وإسعادهم بحلاوة الصوت وتحسين القراءة، وتنسَ نفسك وتهمل قلبك وتُعطل أورادك الخاصة بك...فرمضان لكَ أولا قبل الناس فانتبه!
يقول الرافعي: إن الخطأ أكبر الخطأ أن تنظم الحياة من حولك، وتترك الفوضى في قلبك.(24)
يتوب على يَدِي قومٌ عصاةٌ...أَخَافَتْهم من الباري ذنوبُ
وقلبي مُظلم مِن طولِ ما قد...جنى فأنا على يَدِ مَن أتوب؟
كأني شمعةٌ ما بين قومٍ...تُضيء لهم وَيحْرِقها اللهيبُ
كأني مِخْيَطٌ يكسو أناسًا...وجسمي مِن ملابِسه سليبُ
ربما يسأل بعض الأئمة: لماذا لا يتأثر الناس؟
إذا رأيت - حفظك الله - الناس من خلفك لا يتأثرون بقراءتك فلا تتهم قلوبهم بل راجع نيتك ومقصودك. فقد روي أن قاصًّا كان قريبا من مجلس محمد بن واسع -رحمه الله- فقال له: مالي أرى القلوب لا تخشع، والعيون لا تدمع، والجلود لا تقشعر؟ فقال محمد بن واسع: يا فلان ما أرى القوم أُتوا إلا مِن قِبَلَك، إنَّ الذِّكْرَ إذا خرج من القلب وقع على القلب.(25)
الوصية السادسة: احذر الاستعجال في قراءة القرآن وعدم التمهل والترتيل
- فإن في ذلك إغفالاً لعجائب القرآن وتركًا لمحرك جليل من محركات القلوب كما قال ابن مسعود -رضى الله عنه-: لا تهذوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.(26)
وقال الحسن البصري: يا ابن آدم.. كيف يرق قلبك وإنما همتك في آخر السورة؟!.(27)
- وفي الاستعجال بقراءة القرآن ترك لأمر من أوامر الله تعالى بالتريث بقراءته وتدبر معانيه كما قال القرطبي عند قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل: 4] أي لا تعجل بقراءة القرآن بل اقرأه في مهل وبيان مع تدبر المعاني.(28)
- كما أن في العجلة تفويتًا لما ينفع القلب ويزيد الإيمان حيث قال ابن القيم -رحمه الله-: فقراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وفهم وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن.(29)
- والعجلة تجعل القارئ يغفل وهو في عبادة التلاوة والعبادة لا ينبغي أن تؤدى بغفلة:
قال الآجري عما ينبغي لقارئ القرآن: همه عند التلاوة للسورة إذا افتتحها: متى أتعظ بما أتلوه؟ ولم يكن مراده: متى أختم السورة؟ وإنما مراده: متى أعقل عن الله الخطاب، متى أزدجر، متى أعتبر؟ لأن تلاوة القرآن عبادة والعبادة لا تكون بغفلة.(30)
الوصية السابعة: الدعاء الدعاء.....سهام الليل
بين آيات الصيام نقرأ هذه الآية {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]
لنعلم الارتباط الوثيق بين الصيام والدعاء، وأن شهر رمضان شهر الدعاء
أُخيَّ.. الدعاء.. الدعاء.. هل جهزت أسهمك؟ وسننت أسلحتك؟
كم ينتظره المأمومون خلفك، فهمومهم كثيرة، وأمنياتهم عظيمة!
فيهم الشيخ الكبير.. والضعيف المظلوم... والمديون المقهور... والضال الحيران... والمريض والمبتلى والمسحور... ومن أقلته الهموم! واثقلته الذنوب..!
كلهم ينتظرون أن يكون دعاؤك حياً يخرج من القلب بانكسار وابتهال للملك العلام،
وما أجمل الدعاء إذا كان على هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فلن تجد أبلغ وأجمع منه.
اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
--
(1) رواه البخاري (2942) ومسلم (2404)
(2) نونية ابن القيم (ص: 20)
(3) رواه أحمد (5/ 315) والنسائي (6/ 24) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2/ 1093)
(4) إعلام الموقعين عن رب العالمين (4/ 152)
(5) صيد الخاطر (ص: 434)
(6) رواه مسلم (2985)
(7) رواه ابن ماجه (4202)
(8) بدائع الفوائد (3/ 236)و (3/ 237)
(9) رواه مسلم (1905)
(10) رواه البيهقي في شعب الإيمان (9/ 397) وحسنه لغيره الألباني في مشكاة المصابيح (3/ 1416)
(11) سير أعلام النبلاء ط الرسالة (8/ 407)
(12) صفة الصفوة لابن الجوزي (1/ 221)
(13) تاريخ دمشق لابن عساكر (51/ 413)
(14) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (2/ 383)
(15) رواه البيهقي في شعب الإيمان (7/ 39) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 584)
(16) إحياء علوم الدين (1/ 274)
(17) مدارج السالكين (1/ 450)
(18) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي (ص: 71)
(19) تفسير ابن كثير (7/ 64)
(20) تفسير الطبري (2/ 489)
(21) الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 133)
(22) إحياء علوم الدين (1/ 274)
(23) رواه الطبراني (1681) وصححه الألباني في صحيح الجامع(2/ 1016)
(24) وحي القلم للرافعي 2/ 42.
(25) تاريخ الإسلام للذهبي(3/ 530).
(26) زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 329).
(27) الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 209).
(28) تفسير القرطبي (19/ 37)
(29) مفتاح دار السعادة ومنشور (1/ 187)
(30) أخلاق حملة القرآن للآجري (ص: 41).