عدد المحرم 1437هـ
- التفاصيل
- كتب بواسطة: اللجنة العلمية
- المجموعة: عدد المحرم 1437هـ
- الزيارات: 10307
صناعة الخطبة
إنّ من رحمة الله تعالى بهذه الأمة - التي شاء أن تكون خير أمّة أخرجت للنّاس- أن شرع لها ما يحفظ دينها في واقعها، ويثبت عقيدتها في أفرادها، ويجدد رسالتها في أجيالها، وينشر العلم بأحكامها، ويبث الوعي بقضاياها.
وإنّ من جملة تلك التشريعات تشريع خطبة وصلاة الجمعة التي تعد بمثابة صمام الأمان للحفاظ على التذكير والتواصل مع المجتمع المسلم بجميع أفراده، سواء في مجال إحياء إيمانه، أو حسن صلته بربه، أو تنظيم علاقته بالحياة والأحياء من حوله، وللجمعة في الإسلام مكانة كبيرة فهي من فروض الأعيان، وهي إحدى شعائر الإسلام العظام. (1)
ونعرض في هذه السطور لفن صناعة الخطبة في إشارات خفيفة علها أن تكون عونا لإخواننا الدعاة والخطباء.
المعنى الاصطلاحي للخطبة: هي ما يُلقى من الكلام المتوالي الواعظ باللغة العربية قبيل صلاة الجمعة بعد دخول وقتها بنية جهرًا قيامًا مع القدرة على عدد يتحقق بهم المقصود. (2)
خطوات التحضير والصياغة للخطبة:
1- تحري الإخلاص لله ـ تعالى ـ في كتابته، واستحضار النية الخالصة، ومجاهدة النفس في ذلك؛ فلا تعجبه نفسه أثناء الكتابة، أو يتذكر مدح المصلين له، وماذا سيقولون عن خطبته؛ فإنه إن أخلص لله ـ تعالى ـ بارك الله في كتابته وجهده، ونفع به الأمة.
2 - الاستعداد النفسي والبدني، وتفريغ الذهن، وتوحيد الهَمِّ، والتركيز فيما سيلقيه على عباد الله.
3- أن يعيش مع الخطبة بقلبه، ويضع نفسه محل السامع؛ أي كأنه المخاطَب بهذه الخطبة؛ لأن ذلك سيجعله يختار العبارات التي يرضاها ويحبها وتقنعه؛ فمثلاً لو كان يوجه نصيحة لواقعٍ في معصية معينة؛ فليضع نفسه مكان صاحب هذه المعصية، وكأنه المخاطَب بهذا الخطاب؛ فذلك أدعى للتأثر، وأجود في انتقاء الألفاظ المناسبة.
4- طريقة بناء الخطبة:
تبنى الخطبة من ثلاثة أجزاء: المقدمة، الموضوع، الخاتمة.
وهذه الأجزاء الثلاثة متداخلة، متناسقة، يبلغ بها حد الجودة مقدرة الخطيب، وغزارة علمه، والانتظام في هذه الأجزاء، يجعل الخطبة واضحة المقاصد، وتضمن للمتحدث حسن الإصغاء من سامعيه.
الجزء الأول: المقدمة
هي أول ما يلقيه الخطيب على جمهوره، فإذا فاجأهم بحسن المقدمة، استطاع متابعة جمال خطبته معهم؛ فعلى الخطيب أن يعتني بمقدمته، بأن يأتي بالعبارة السهلة، التي توحي لسامعه بمقصود الخطبة، مما يشد الانتباه ويهيئ النفوس، وقد يكون بآيات قرآنية زاجرة، أو مرغبة.
الجزء الثاني: الموضوع والعرض
إن استغنى الخطيب أحيانا عن المقدمة، أو عن الخاتمة، فلا يستطيع أن يستغني عن عرض الموضوع؛ لأنه هو الخطبة ذاتها أيا كان نوعها، وهو مقصود الخطبة الأعظم، ويجوز ذكر موضوع الخطبة بداية، ولكن الأولى التدرج في تناول الموضوع، تناولا غير مباشر، متسلسلا، إلى أن يصل إلى مبتغاه.
ضوابط مهمة في اختيار الموضوع:
- قبل أن تبدأ في اختيار الموضوع ادعُ الله أن يوفقك وأن يختار لك ما فيه الخير.
- أن يكون موضوعك مناسباً للتحدث فيه وأن يكون مما يحتاجه الناس، وأن يكون مناسباً لنوعية الحضور، وواقع الناس.
- مما يعين الخطيب على حسن اختيار الموضوع توافر الصفات الأساسية من الفقه في الدين والعمل به، والثقة بالنفس والاستشارة لأهل العلم والخبرة. ولا يعني اختيار الموضوع ألا يتجاوز الخطيب موضوع الخطبة إلى غيره، ولا سيما عند وجود ما يستدعي ذلك من الحوادث العارضة.
- اختيار العنوان الجذاب للموضوع الذي تختاره تحدد من خلاله الفكرة الرئيسة للموضوع دون إبراز الفرعيات. حيث لا يزيد عدد كلمات العنوان عن ( ثلاث كلمات).
صياغة الموضوع وعرضه
يتم ذلك من خلال:
- وضع العناصر الأساسية والفرعية.
- تحديد مصادر الخطبة وتوثيق المعلومات ونسبة الأقوال إلى أصحابها.
- جمع الآيات في هذا الموضوع، ومراجعة تفسيرها من التفاسير المعتمَدة عند أهل السنة.
- جمع الأحاديث في الموضوع، وتخريجها تخريجًا مُخْتَصَرًا، ومعرفة الصحيح منَ الضعيف؛ المقبول منها والمردود، فلا يلقي على المسلمين إلا الأحاديث المقبولة، ويتجنَّب المردود إلا لبيان ضعفه.
- جمع الآثار السلفية، والعبارات الذهبية، والانتقاء من أطايب كلامهم.
- جمع الأمثلة والمواقف العملية والنماذج الحية التي تترجم الموضوع ترجمة حية؛ ليرتبط العلم بالعمل؛ فَهُما - العلم والعمل - وجهان لعملة واحدة، ولا ينفصلان في دين الله - تبارك وتعالى.
- مراجعة معجم اللغة العربية؛ كـ"لسان العرب"، و"القاموس المحيط"، و"مختار الصحاح" و"المعجم الوسيط". . .
- إذا أشكلت عليك بعض الكلمات أو الجمل من جهة إعرابها، أو صرفها، أو دلالتها على المعنى الذي تريده، أو كونها غير فصيحة فلك خياران:
الأول: الرجوع إلى المعاجم اللغوية للتأكد من صحة الكلمة، ومناسبتها للمعنى الذي أراده، أو سؤال من يعلم ذلك من أهل اللغة والنحو.
الثاني: استبدال الكلمة أو الجملة التي يشك فيها بكلمة، أو جملة أخرى يعلم صحتها، واللغة العربية غنية بالمترادفات من الكلمات والجمل.
ولعل الأولى الطريقة الأولى؛ لكي ينمِّي الخطيب مهاراته اللغوية، وتزداد حصيلته من الكلمات والجمل.
- إذا كتبت الخطبة فاعتنِ بعلامات الترقيم، وبداية الجمل ونهايتها؛ حتى يعينك ذلك على قراءة الخطبة بشكل صحيح، وعدم التعتعة والإعادة، وكثرة التوقف والتلكؤ.
- إن كان الخطيب يتحدث عن مشكلة ما، فلا بد أن يبينَ مظاهرها في الواقع، وأن يذكر أسبابها، وأن يعرضَ الحل المناسب، ويُفَصِّل فيه بطريقة عملية مناسبة؛ فهو المقصود.
- حدد الفترة المناسبة للخطبة، ووزع عناصر الموضوع على الزمن المحدد ولا تعده.
- إنْ أحسّ الخطيب أن القلم لا يجاريه في الكتابة، وأن أفكاره مشتتة، وذهنه مشوَّش فليتوقف عن الكتابة حتى يزيل ما يشغله أو ينساه، ثم يعود إليها مرة أخرى.
- احفظ خطبتك إن استطعت، وإن لم تستطع فاحفظ العناصر والأدلة وأوجه الدلالة.
- تدرب على الخطبة؛ فألقها على بعض المتخصصين أو بعض أصدقائك أو أهل بيتك.
- اجمع الملاحظات وصوب الأخطاء التي وقعت فيها.
الجزء الثالث: الخاتمة
ويحسن أن تتصف الخاتمة بما يلي:
• ألا تكون بعيدة عن موضوع الخطبة؛ لأنها امتداد له.
• إيجاز أهم ما ورد في الخطبة.
• أن يذكر فيها المطلوب من السامعين حيال الموضوع الذي طرحه.
مواصفات الخطبة الناجحة وعوامل تأثيرها
1- أن تكون نِتَاج إعداد متقن من حيث المضمون والشكل.
2- وحدة الموضوع وترابطه، وتسلسل الأفكار
3- التدرج في العرض من الأهم فالمهم، ومن العام إلى الخاص. . .
4- معالجة قضايا الواقع وما يشغل هموم الناس
5- اعتدال الخطبة فلا تكون طويلة مملة ولا قصيرة مخلة
6- أن يضبط الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية ضبطا دقيقا حتى لا يقع الغلط والتصحيف.
7- أن يتجنب السجع المتكلف، فإنه إذا كثر وكان عن تكلف كان ثقيلا على الأسماع مانعا من حسن الاستماع.
8- أن يختار الأسلوب السهل الواضح ما أمكن مع القوة والجزالة، وذلك لأن أكثر مستمعيه هم من العامة، أو من متوسطي الثقافة غالبا، لذلك قالوا: رأس الخطابة الطبع، وعمودها الدربة، وجناحاها رواية الكلام، وحليها الإعراب، وبهاؤها تخير اللفظ.
9- الاهتمام باللغة، ومن الأمور التي تجعل لغة الخطبة أكثر جلاء، وأشد قبولا لدى المستمعين:
أ ) تجنب الألفاظ العامية الساقطة، والكلمات المرذوله، فإن مقام المنبر ينبغي أن ينزه عن كلام السوقة، والأسواق.
ب) إعادة الكلام إذا رأى الحاجة لذلك، كأن يكون معظم الحضور من العامة، أو بعض الأفكار تحتاج إلى إعادة لعدم وضوحها، أو لأهميتها.
جـ)استخدام الجمل القصيرة التي يقل فيها استخدام الروابط؛ لئلا يلقى المستمعون عنتًا في متابعة الأفكار.
10- ضبط نبرة الصوت والحركة
فمما يساعد على قوة لغة الخطيب، ووضوح موضوعه، وجلاء عرضه لفكرته نبرة صوته وحركة يده، فعلى الخطيب أن يراعي لذلك الأمور التالية بالنسبة للصوت:
أ - وضوح الصوت، وعلوه في اعتدال. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم، ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين. . . ). (3)
فعلى الخطيب مراعاة الاعتدال في علو صوته، ومراعاة حاجة المكان والجمع مع عدم الإسراع في إلقائه.
ب - تغيير نبرة الصوت من وقت لآخر فإن في هذا تنشيطا لنفسه ولسامعيه، وإعطاء للجمل حقها من الاهتمام.
جـ - أن يتهيأ قبل الخطبة فيبعد عما يؤثر على صوته، فلا يأكل طعاما أو يشرب شرابا يذهب بقوة صوته، أو يجعله يحشرج إذا تكلم.
د - الإقلال من التنحنح في أثناء الخطبة، أو بلع الريق، أو انقطاع النفس، فإنها تشغل المتكلم والسامع معا.
هـ - حسن الوقوف في موطن الوقوف والبدء في موقع البدء.
و - تجنب عيوب اللسان ما استطاع كالفأفأة، واللثغة، والصفير، والتعتعة، ونحو ذلك، فإذا لمس من نفسه شيئا من ذلك فليتجنب الألفاظ، والكلمات التي توقعه فيه.
ز - ثبات الصوت بحيث لا يبدو للأسماع مرتجا متلجلجا شأن الخائف أو القلق والمضطرب، أو يبدو عليه الارتباك والخجل.
11- أما بالنسبة لحركة الخطيب على المنبر، فيراعى فيها الأمور التالية:
أ) أن يكون وقوف الخطيب ثابتا، يظهر عليه سيما المهابة، والوقار، والشعور بالثقة.
ب) ألا يكثر من الالتفات أو حركة اليد، أو الرأس، أو الجسم.
جـ) تناسب حركة اليد، والإشارة مع الألفاظ والكلمات.
أغراض خطبة الجمعة
ذكر العلماء بعض الأغراض لخطبة الجمعة، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1- الوصية بتقوى الله تعالى والأمر بطاعته والزجر عن معصيته.
2- ترسيخ أصول الإيمان وتقويته في القلوب وتثبيت العقيدة الصحيحة.
3- الدعوة إلى الصلاح والإصلاح والتمسك بأمور الشريعة وإقامة الحق، والعدل والحث على مراعاة وحدة هذه الأمة والتحذير مما يضعفها.
4- توضيح العبادات والأحكام وتفصيل الحلال والحرام، وتفقيه المسلمين وتعليمهم حقائق دينهم.
5- التذكير عند المناسبات الشرعية مثل رمضان والحج ونحوهما.
6- تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام ورد الشبهات التي يثيرها أعداؤه للصد عنه، وذلك بأسلوب بليغ وبرهان ساطع حكيم بعيدا عن المهاترات والسباب والتشهير.
7- الحث على لزوم السنة والتأسي بأهلها والتحذير من البدعة والزجر عنها. .
صفة الخطبة:
١- السلام على الناس قبل الخطبة.
٢- الحمد لله والثناء عليه، والشهادتين.
٣- الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
٤- الوصية بتقوى الله تعالى وتذكير الناس بما أراد بيانه لهم في الخطبة.
٥- قراءة آيات من القرآن الكريم في الخطبة.
٦- الدعاء للمسلمين والمسلمات عامة ولولاة أمرهم خاصة كما هو منهج السلف الصالح، مع مراعاة الإجمال في الدعاء وعدم التخصيص بذكر الأسماء، لا سيما ما يسبب الإثارة والفتنة.
كيف كانت خطب النبي صلى الله عليه وسلم؟
يقول ابن القيم رحمه الله: " كانت خطبته صلى الله عليه وسلم، إنما هي تقرير لأصول الإيمان من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه، وذكر الجنة والنار، وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته، فيملأ القلوب من خطبته إيمانا وتوحيدا، ومعرفة بالله وأيامه، لا كخطب غيره التي إنما تفيد أمورا مشتركة بين الخلائق، وهي النوح على الحياة، والتخويف بالموت، فإن هذا أمر لا يحصل في القلب إيمانا بالله، ولا توحيدا له، ولا معرفة خاصة به، ولا تذكيرا بأيامه، ولا بعثا للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه، فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة غير أنهم يموتون، وتقسم أموالهم، ويبلي التراب أجسامهم، فيا ليت شعري أي إيمان حصل بهذا؟! وأي توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به؟.
ومن تأمل خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- وخطب أصحابه، وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الرب جل جلاله، وأصول الإيمان الكلية، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره، وذكره ما يحببهم إليه، فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم"(4)
أخطاء يقع فيها بعض الخطباء
هناك بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الخطباء تخل بمقاصد الخطبة يجب على الخطيب تجنبها
١- الإطالة المملة والاستطراد في الخطبة وجمع أكثر من موضوع في الخطبة الواحدة فالتطويل ذريعة للملل المانع من التفاعل والاستيعاب والفهم.
٢- التقريع وفظاظة القول والاتهام الموجه للسامعين أو لأشخاص بأعيانهم.
٣- اللحن في الكلام واستعمال اللهجة العامية أو تكلف السجع.
٤- التشدق في القول والتقعر في الكلام.
٥- الخوض في أمور لا يستفيد منها العامة، وليس من المصلحة الحديث عنها.
٦- العجلة في الإلقاء، فإن النطق السريع المتعجل يفقد المتابعة فيختلط الكلام بعضه ببعض وتلتبس العبارات ببعضها.
٧- الخوض فيما لا يعلم، فإن هذا موقع في الارتباك فتضيع الهيبة والوقار وينفر منه الناس.
٨- مخاطبة الناس بما لا يعرفون والخوض في الفروع والخلافات المذهبية والاتجاهات الفكرية ودقائق العلوم والمعارف وتفاصيلها.
9- أن يبني الخطيب خطبته على نص (حديث، أثر، قصة، سبب نزول. . ) ضعيف أو لم يتحقق من ثبوته. (5)
والحمد لله رب العالمين
----
(1)أهمية الخطبة ودورها في المجتمع المسلم
(2)انظر: خطبة الجمعة وأحكامها الفقهية، د. عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله الحجيلان
(3) رواه مسلم (الجمعة 867).
(4) زاد المعاد (1/ 409)
(5) مراجع الموضوع: منهج في إعداد خطبة الجمعة، للدكتور صالح بن عبد الله بن حميد، خطبة الجمعة ودورها في تربية الأمة، خطباؤنا هل يحسنون اختيار موضوعاتهم؟ د. عبد الله بن إبراهيم اللحيدان، خطبة الجمعة دراسة دعوية؛ سليمان بن عبدالله بن منصور الحبس، فن تحضير المواضيع، كيف تُعَدُّ خطبة الجمعة؟! إبراهيم بن محمد الحقيل، مجلة البيان، خطب الجمعة ومسؤوليات الخطباء، طريقة مختصرة في تحضير الخطبة، أ. رضا جمال، عناصر الخطبة، وطريقة بنائها، أحمد عبد السلام
- التفاصيل
- كتب بواسطة: اللجنة العلمية
- المجموعة: عدد المحرم 1437هـ
- الزيارات: 10567
وقفة مع كتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي
فأبو حامد الغزالي هو محمد بن أحمد الطوسي الغزالي المتوفي سنة 505هـ.
صاحب التصانيف الكثيرة في الفقه، والأصول، والفلسفة، والكلام، والتصوف، وقد مر رحمه الله بمراحل كثيرة وأطوار متعددة، وعكف في نهاية حياته على دراسة الحديث، فنسأل الله أن يرزقنا الهداية وحسن الخاتمة.
وقد تباينت أقوال الباحثين في حكمهم على الغزالي وتقييم أفكاره ومؤلفاته، ولعل من أسباب ذلك اضطراب الغزالي في عرض أفكاره، وكثرة تنقله من حال إلى حال.
وكذلك كان الحال بالنسبة إلى كتابه إحياء علوم الدين، فقد مدحه قوم حتى غلو في مدحه وقالوا: من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء، وذمه قوم حتى أفتوا بحرقه ومنعه.
والحق أن كتاب الإحياء فيه نفع كثير، وفيه طامات وبلايا توجب منع قراءته، إلا من الخبير المطلع على عقائد الصوفية والحلولية والفلاسفة، المتحصن بعقيدة السلف الصالح.
وما فيه من الخير موجود في غيره من الكتب، ككتاب: مختصر منهاج القاصدين للمقدسي، وأصله لابن الجوزي الذي اختصره من إحياء علوم الدين، وقال في أوله (فاعلم أن في كتاب "الإحياء" آفات لا يعلمها إلا العلماء، وأقلها الأحاديث الباطلة الموضوعة، والموقوفة وقد جعلها مرفوعة وإنما نقلها كما اقتراها لا أنه افتراها، ولا ينبغي التعبد بحديث موضوع والاغترار بلفظ مصنوع.
وكيف أرتضي لك أن تصلي صلوات الأيام ولياليها، وليس فيها كلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وكيف أوثر أن يطرق سمعك من كلام المتصوفة الذي جمعه وندب إلى العمل به، ما لا حاصل له من الكلام في الفناء والبقاء، والأمر بشدة الجوع، والخروج إلى السياحة في غير حاجة، والدخول في الفلاة بغير زاد؟! إلى غير ذلك مما قد كشفت عن عواره في كتابي المسمى "تلبيس إبليس"، وسأكتب لك كتاباً يخلو عن مفاسده، ولا يخل بفوائده" انتهى كلام ابن الجوزي.
ونحن ننقل هنا بعض ما قاله العلماء في التحذير من هذا الكتاب.
قال الإمام الطرطوشي المالكي: "فلما عمل كتابه سماه "إحياء علوم الدين" عمد يتكلم في علوم الأحوال ومراقي الصوفية، وكان غير دري بها ولا خبير بمعرفتها، فسقط على أم رأسه فلا في علماء المسلمين قر، ولا في أحوال الزاهدين استقر، شحن كتابه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أعلم كتاباً على بسيط الأرض في مبلغ علمي أكثر كذبا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-منه، سبكه بمذاهب الفلاسفة ومعاني "رسائل إخوان الصفاء" وهم قوم يرون النبوة اكتساباً، وليس النبي في زعمهم أكثر من شخص فاضل تخلق بمحاسن الأخلاق. . . إلى أن قال: "وأما ما ذكرت من إحراق الكتاب بالنار فإنه إن ترك انتشر بين ظهور الخلق، ومن لا معرفة له بسمومه القاتلة، وخيف عليهم أن يعتقدوا صحة ما سطر فيه مما هو ضلال، فيحرق قياساً على ما أحرقه الصحابة رضي الله عنهم من صحائف المصحف التي كان فيها اختلاف اللفظ ونقص آي منه. . . وفي دونه من الكتب غنية وكفاية لإخواننا المسلمين، وطبقات الصالحين، ومعظم من وقع في عشق هذا الكتاب رجال صالحون لا معرفة لهم بما يلزم العقل وأصول الديانات، ولا يفهمون الإلهيات، ولا يعلمون حقائق الصفات" انتهى كلام الطرطوشي نقلا عن سير أعلام النبلاء للذهبي 19/334.
وقال الإمام المازري المالكي بعد كلام في نقد الإحياء: "ورأيت له في الجزء الأول يقول: إن في علومه ما لا يسوغ أن يودع في كتاب، فليت شعري أحق هو أو باطل؟!.
فإن كان باطلاً فصَدَق، وإن كان حقاً وهو مراده بلا شك فلم لا يودع في الكتب؟ ألغموضته ودقته؟ فإن كان هو فهمه، فما المانع أن يفهمه غيره؟! " نقله الذهبي في السير 19/340.
وقال القاضي عياض: "والشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة والتصانيف الفظيعة، غلا في طريق التصوف، وتجرد لنصر مذهبهم، وصار داعية في ذلك، وألف فيه تواليفه المشهورة، أخذ عليه فيها مواضع، وساءت به ظنون أمة، والله أعلم بسره، ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب، وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها، فامتثل ذلك" نقله الذهبي 19/327.
وقال ابن الجوزي في "تلبيس إبليس": (وجاء أبو حامد الغزالي فصنف لهم كتاب "الإحياء" على طريقة القوم، وملأه بالأحاديث الباطلة، وهو لا يعلم بطلانها، وتكلم في علم المكاشفة، وخرج عن قانون الفقه، وقال: إن المراد بالكوكب، والشمس، والقمر اللواتي رآهن إبراهيم صلوات الله عليه أنوار هي حُجُب الله عز وجل، ولم يُرد هذه المعروفات، وهذا من جنس كلام الباطنية) انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ( والإحياء فيه فوائد كثيرة، لكن فيه مواد مذمومة، فإنه فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد، فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدواً للمسلمين ألبسه ثياب المسلمين.
وقد أنكر أئمة الدين على أبي حامد هذا في كتبه وقالوا: مرضه "الشفاء" يعني "شفاء" ابن سينا في الفلسفة.
وفيه أحاديث وآثار ضعيفة بل موضوعة كثيرة، وفيه أشياء من أغاليظ الصوفية وترهاتهم، وفيه مع ذلك من كلام المشايخ الصوفية العارفين المستقيمين في أعمال القلوب الموافقة للكتاب والسنة، ومن غير ذلك من العبادات والأدب ما هو موافق للكتاب والسنة، ما هو أكثر مما يردّ منه، فلهذا اختلف فيه اجتهاد الناس وتنازعوا فيه). انتهى من مجموع الفتاوى 10/55.
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء 19/339:
(أما "الإحياء" ففيه من الأحاديث الباطلة جملة، وفيه خير كثير لولا ما فيه من آداب، ورسوم، وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية نسأل الله علما نافعاً. تدري ما العلم النافع؟ هو ما نزل به القرآن، وفسره الرسول -صلى الله عليه وسلم- قولاً وفعلاً، ولم يأت نهي عنه. قال عليه السلام: "من رغب عن سنتي فليس مني" فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله، وبإدمان النظر في الصحيحين، وسنن النسائي، ورياض النووي وأذكاره تفلح وتنجح. وإياك وآراء عباد الفلاسفة ووظائف أهل الرياضات، وجوع الرهبان، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات، فكل الخير في متابعة الحنفية السمحة، فوا غوثاه بالله، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم) انتهى كلام الذهبي.
وقد أكثر رحمه الله من النقل عن أبي يزيد البسطامي والحلاج والشبلي، وهم من أهل القول بالاتحاد والحلول، بل ذهب بعض الباحثين إلى أن الغزالي قال بهذا المذهب في كتابه إحياء علوم الدين، وفي بعض كتبه الأخرى.
ولهذا قال شيخ الإسلام عن كتاب مشكاة الأنوار للغزالي: (وهذا الكتاب كالعنصر لمذهب الاتحادية القائلين بوحدة الوجود) بغية المرتاد ص 189 وقال: (وبسبب كلام الغزالي في مشكاة الأنوار تشجع الاتحاديون الملحدون الذين قالوا بوحدة الوجود على ذلك، كقولهم: إن الخلق مجال ومظاهر، لأن وجود الحق ظهر فيها وتجلى) درء تعارض العقل والنقل 10/283.
وهو يحكي في كتابه كثيراً من الأمور التي لا يقبلها العقل، ولا تستقيم على ميزان الشرع دون أن ينكرها. ومن ذلك قوله 4/200 (وقيل له ـ أي بضع العارفين ـ بلغنا أنك ترى الخضر عليه السلام؟ فتبسم وقال: ليس العجب ممن يرى الخضر، ولكن العجب ممن يريد الخضر أن يراه فيحتجب عنه)! !.
ونقل عن أبي يزيد البسطامي قوله: (أدخلني ـ الله ـ في الفلك الأسفل فدورني في الملكوت السفلي وأراني الأرضين وما تحتها إلى الثرى، ثم أدخلني في الفلك العلوي، فطوف بي في السموات، وأراني ما فيها من الجنات إلى العرش. أوقفني بين يديه فقال: سلني أي شيء رأيته حتى أهبه لك؟ فقلت: يا سيدي ما رأيت شيئاً أستحسنه فأسألك إياه. فقال: أنت عبدي حقا تعبدني لأجلي صدقاً. . . " الإحياء 4/356.
ونقل عن أبي تراب قوله: (لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة). الاحياء 4/356.
إلى غير ذلك من الأمور المنكرة التي يسميها الغزالي "مكاشفات" ويطالب الناس بعدم إنكارها والاعتراض عليها.
ونختم بما قاله الذهبي (فرحم الله أبا حامد، فأين مثله في علومه وفضائله ولكن لا ندعي عصمته من الغلط والخطأ، ولا تقليد في الأصول) سير أعلام النبلاء 19/346.( من فتاوى إسلام ويب.)
والحمد لله رب العالمين
- التفاصيل
- كتب بواسطة: اللجنة العلمية
- المجموعة: عدد المحرم 1437هـ
- الزيارات: 11219
عِبرةٌ وعَبرةٌ
أيها الداعية انتبه بارك الله فيك
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: مررت بحجر بمكة مكتوب عليه اقلبني تعتبر. ، فقلبته فإذا عليه مكتوب: أنت بما تعلم لا تعمل، فكيف تطلب علم ما لم تعلم؟!
وقال ابن السماك: كم من مذكر بالله ناس لله، وكم من مخوف بالله جريء على الله، وكم من مقرب إلى الله بعيد من الله، وكم من داع إلى الله فار من الله، وكم من تال كتاب الله منسلخ عن آيات الله.
- التفاصيل
- كتب بواسطة: اللجنة العلمية
- المجموعة: عدد المحرم 1437هـ
- الزيارات: 8596
من واحة الشعر الدعوي
( كلُّ حيٍّ سيموتُ ** لَيْسَ في الدُّنيا ثُبُوت )
( حَرَكَاتٌ سَوْفَ تَفْنَى ** ثُمَّ يَتْلُوها خُفُوت )
( وكَلامٌ لَيْسَ يَحْلُو ** بَعْدَهُ إِلاَّ السُّكُوت )
( أيُّها السادِرُ قُلْ لي ** أَيْنَ ذاكَ الجَبَرُوت؟ )
( كُنتَ مطبوعاً على النُطْ ** قِ، فَمَا هَذَا الصُّمُوت؟ )
( ليت شِعرى، أَهُمودٌ ** ما أراهُ، أَم قنوت؟ )
( أَيْنَ أَمْلاكٌ لَهُمْ في ** كُلِّ أُفْقٍ مَلَكُوت )
( زالَت التيجانُ عنهم ** وخَلَتْ تلْكَ التُّخُوت )
( أَصْبَحَتْ أَوْطَانُهُمْ مِنْ ** بَعْدِهِمْ وَهْيَ خُبُوت )
( لا سَمِيعٌ يَفْقَهُ الْقَوْ ** لَ، ولا حَيٌّ يَصُوت )
( عمرَت منهُم قبورٌ ** وخلَت منهم بيوت )
( لم تَذُدْ عَنْهُمْ نُحُوسَ الدَّ ** هْرِ إِذْ حانَتْ بُخُوت )
( خَمَدَتْ تِلْكَ الْمَسَاعِي ** وانْقَضَتْ تلكَ النُّعُوت )
( إِنَّما الدُّنْيا خَيَالٌ ** باطِلٌ سَوْفَ يَفُوت )
( ليسَ للإنسانِ فيها ** غيرَ تقوى اللهِ قوت )
من ديوان محمود سامي البارودي، البحر: مجزوء الرمل
- التفاصيل
- كتب بواسطة: اللجنة العلمية
- المجموعة: عدد المحرم 1437هـ
- الزيارات: 8575
السلسلة من إعداد اللحنة العملية بجماعة أنصار السنة المحمدية - فرع بلبيس
إشراف ومراجعة
فضيلة الشيخ د/ صبري عبد المجيد -حفظة الله-
وفضيلة الشيخ / أحمد سليمان -حفظه الله-
والسلسلة دورية تصدر مطلع الشهري الهجري بإذن الله تعالى
والعدد الأول به الموضوعات التالية:
الافتتاحية مقال بعنوان : أعظم المهن لفضيلة الشيخ أحمد بن سليمان -حفظه الله-
الخطب المنبرية:
دروس وعبر من هجرة سيد البشر -صلى الله عليه وسلم-
نعمة الصحة وكيفية الحفاظ عليها
قطوف من بستان الواعظين:
قطوف من بستان الواعظين - صناعة الخطبة
وقفة مع كتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي
قطوف من بستان الواعظين - عِبرةٌ وعَبرةٌ
قطوف من بستان الواعظين - من واحة الشعر الدعوي
لتحميل العدد بصيغة "بي دي إف" اضغط على الصورة التالية